مايو 10, 2024

لا تبعد حدود العالم العربي عن أوكرانيا إلا ألف كيلومتر، إلا أن تأثير أزمتها الحالية، والناجمة عن الحرب الروسية على أراضيها واندلاع قتال شرس منذ 24 فبراير/شباط الماضي، يترك آثارا اقتصادية وتجارية ومالية ضخمة على العرب، إلى جانب البعد الجيوإستراتيجي.

وتمتد تأثيرات الأزمة إلى عدة فئات على رأسها صدمات أسعار الغذاء وخاصة القمح، ثم زيادات أسعار النفط والغاز، وأخيرا تأثر القطاع السياحي.

وبعد معاناة العالم العربي، وعلى مدار سنتين كاملتين، من تفشي وانتشار فيروس “كوفيد-19″، يتخوف البعض من تعرض المنطقة العربية لأزمة ترتبط باحتمال تعطل سلاسل الإمداد، وستكون لكل من هذه المشاكل تبعات اقتصادية تختلف من دولة لأخرى.

معسكر الرابحين

دفعت الحرب في أوكرانيا سعر النفط الخام إلى بلوغ سعر برميل النفط إلى 130 دولارا، وذلك قبل أن ينخفض ويستقر عن معدل 100 دولار للبرميل، ووفقا لتقديرات بنك (HSBC)، فكل زيادة في سعر النفط بمقدار 10 دولارات للبرميل، تضيف 65 مليار دولار إلى عائدات تصدير النفط لدول مجلس التعاون الخليجي.

ويشير موقع البنك الدولي إلى أن وصول سعر برميل النفط إلى 100 دولار يدفع إلى فائض في الميزانية والحسابات الجارية بقيمة 10% و15% على التوالي من إجمالي الناتج المحلي لدول المجلس.

وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار السفير الأميركي ديفيد ماك، مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي، إلى أنه “وحتى الآن، عززت الأزمة الأوكرانية الروسية نفوذ كبار مصدري الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. بل إنها كانت حدثا إيجابيا بالنسبة للعراق وليبيا، وهما بلدان مضطربان، لكن لديهما إمكانات كبيرة لزيادة الدخل من احتياطاتهما من النفط والغاز”.

واتفق عدنان مازاري، كبير الخبراء بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي بواشنطن، ونائب مدير منطقة الشرق الأوسط السابق بصندوق النقد الدولي، مع هذا الرأي، وفي حديث مع الجزيرة نت قال مازاري “مما لا شك فيه أن الدول النفطية حققت وتحقق عائدات مالية ضخمة نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز بصورة كبيرة جدا مع اندلاع الحرب في أوكرانيا. وعلى الرغم من انخفاض أسعار برميل النفط خلال الأيام الأخيرة ووصوله لأقل من 100 دولار، بسبب إغلاقات الصين على خلفية تفشي فيروس “كوفيد-19″ في بعض مناطقها، بعدما تخطى 130 دولارا قبل أسبوعين، فإن هذه الأسعار ترتفع كثيرا عما كانت عليه قبل اندلاع الحرب في 24 فبراير/شباط الماضي”.

إلا أن مازاري عاد وأكد أن “الحرب لا تعني أنباء جيدة للدول المنتجة للطاقة في الشرق الأوسط فقط، حيث ستصل كذلك تبعات تأثر الاقتصاد العالمي السلبي بالحرب وغياب اليقين وانخفاض النمو على حجم الطلب على الطاقة في المدى المتوسط”.

من جانبه، اعتبر إدواردو سارافال، الباحث في برنامج الطاقة والاقتصاد والأمن في مركز الأمن الأميركي الجديد، أنه “يمكن أن يفيد ارتفاع أسعار الطاقة المصدرين في الشرق الأوسط، وربما يعزز استقرار النظم الحاكمة، كما أن هناك مؤشرات على أن الأزمة الحالية يمكن أن تؤدي إلى بعض التحالفات الجديدة، كما رأينا مع المناقشات حول تسعير النفط بين الصين والمملكة العربية السعودية دون الاعتماد على الدولار الأميركي، ولكن مثل هذه التغييرات واسعة النطاق تستغرق وقتا طويلا”.

معسكر الخاسرين

واعتبر مازاري أن “الدول الشرق أوسطية غير المصدرة للطاقة ستعاني بصورة كبيرة، فإذا كانت من الدول المستورد للنفط أو الغاز، فسترتفع تكلفة الاستيراد، هذا إلى جانب الارتفاع الكبير في أسعار المحاصيل الزراعية والمواد الغذائية، والتي كانت مرتفعة بشدة قبل بدء القتال”.

وأضاف مازاري أن أسعار القمح والذرة والشعير ارتفعت كثيرا، واستمرار الأسعار على حالها أو زيادتها سيسبب الكثير من المشكلات للدول المستوردة للغذاء مثل مصر ولبنان وتونس، ولو نظرنا إلى دولة كمصر، فأغلب وارداتها من القمح يأتي من أوكرانيا وروسيا، كذلك للحرب تبعات سلبية على صناعة السياحة التي تضررت بشدة بعد بدء القتال، ويؤثر ذلك على ارتفاع معدلات البطالة، إضافة لانخفاض مصادر العملات الصعبة”.

في حين أشار السفير ماك إلى أن هناك بلدانا عربية أخرى، ولا سيما مصر ولبنان، ستواجه ضغوطا شديدة للتعامل مع ارتفاع التكاليف في وارداتها من السلع الزراعية. وفي السنوات الأخيرة، اعتمدت الدولتان بشكل كبير على الواردات من روسيا وأوكرانيا من الحبوب وبذور عباد الشمس لزيت الطهي، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى عدم الاستقرار السياسي إذا لم تتلقيا المساعدة اللازمة لمواجهة الزيادة المتوقعة في الأسعار والتي قد لا يتحملها المستهلكون، في حين أنه بالنسبة للدول الأقل حظا، مثل اليمن، قد يعني ذلك مجاعة جماعية والمزيد من المشاكل الصحية للسكان الضعفاء بالفعل من جراء الحرب الأهلية هناك.

أما سارافال فيعتقد أنه لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين بشأن تأثير العقوبات المفروضة على روسيا على اقتصاديات العالم العربي.

وفي حديثه مع الجزيرة نت، قال سارافال إن “النتائج الأولية تشير إلى أن بعض البلدان ستواجه ارتفاعات كبيرة في تكاليف الواردات الغذائية، على سبيل المثال إذا واجهت مصر ارتفاعا في أسعار الواردات الغذائية يمكن أن يضر ذلك بسكانها”.

معسكر الوسط

وبين الدول العربية الرابحة كمصدري النفط والغاز بمنطقة الخليج، لا ينطبق نفس الأمر لدول مصدرة للطاقة كالجزائر والعراق، وذلك لضخامة عدد سكانها، وتأثرها السلبي بارتفاع أسعار الواردات الضخمة من المواد الغذائية.

وتوقع مازاري أن تعاني كذلك الدول المنتجة للنفط التي لديها كثافة سكانية كبيرة مثل العراق والجزائر، وذلك على العكس من الدول منخفضة السكان مثل دول الخليج العربية.

معضلة الديون الخارجية

وأشار مازاري إلى قضية ارتفاع المديونية الخارجية للعديد من دول الشرق الأوسط، وقال إنه “في الوقت ذاته لدى دول مثل مصر وتونس مديونية خارجية ضخمة للغاية، ولا تنشأ الأزمات الاقتصادية في فراغ، بل تمتد للأوضاع الاجتماعية والسياسية، وعلينا تذكر أن أحداث الربيع العربي، في أحد أبعادها، تسبب فيها ارتفاع أسعار المواد الغذائية، واستمرار الأوضاع على ما هي، كما أن إطالة أمد الحرب لفترات طويلة ينذر بأزمات مستقبلية”.

مزيد من الأخبار http://www.qamishly.com

انشر الموضوع