مارس 28, 2024

يأتي الكثير مِمَّا نعرفه عن فظائع العبودية في الأمريكتين من السجلات التاريخية. لكن بحثاً جديداً يُظهِر أن الدليل على الأعمال الوحشية المرتبطة بتجارة العبيد يمكن إيجاده أيضاً في المادة الوراثية للأمريكيين الأفارقة. 

التقرير الذي نشره موقع شبكة CNN الأمريكية اعتمد على دراسةٌ أجرتها شركة علم الوراثة الاستهلاكية 23andMe، ونُشِرَت الخميس الماضي في دورية the American Journal of Human Genetics، نظرةً ثاقبةً جديدة في عواقب تجارة العبيد العابرة للأطلسي، حيث النطاق الواسع لاغتصاب النساء الإفريقيات من قِبَلِ أسيادهن البيض، وتجارة الرقيق الأقل توثيقاً التي جرت داخل الأمريكتين. 

إنها واحدةٌ من أكبر الدراسات من نوعها، ويأتي الفضل في ذلك إلى الكمِّ الهائل من بيانات عملاء شركة 23andMe الذين تمكَّن الباحثون من إشراك عددٍ منهم في الدراسة. 

جَمَعَ المؤلِّفون بياناتٍ جينية من أكثر من 500 ألف شخص من الأمريكتين، وأوروبا الغربية، وإفريقيا الأطلسية، وقارنوها بالسجلات التاريخية للمواقع التي اختُطِفَ منها المُستعبَدون والمواقع التي استُعبِدوا فيها. وتقدِّم هذه البيانات والسجلات معاً قصةً عن الجذور المُعقَّدة للشتات الإفريقي في الأمريكتين. 

كانت المادة الوراثية في أغلبها متَّسِقةً مع ما تُظهِره الوثائق، لكن مؤلِّفي الدراسة يقولون إن هناك بعض الاختلافات الملحوظة. 

إليكم ما توصَّلوا إليه، وما يكشفه ذلك عن تاريخ العبودية. 

تُظهِر الدراسة تاريخاً من اغتصاب النساء المُستعبَدات 

اختُطِفَ العمال المُستعبَدون من إفريقيا وجُلِبوا إلى الأمريكتين، وكان أغلبهم من الذكور بصورةٍ غير متناسبة. غير أن البيانات الجينية تُظهِر أن النساء المُستعبَدات لهن نصيبٌ في البيانات الجينية المُجمَّعة بمُعدِّلٍ أعلى. 

في الولايات المتحدة وفي أجزاءٍ من جزر الكاريبي التي استعمرها البريطانيون، ساهمت النساء الإفريقيات في البيانات الجينية المُجمَّعة بحوالي 1.5 أوحوالي ضعف الرجال الأفارقة. وفي أمريكا اللاتينية، كان المُعدَّل أعلى. وساهمت النساء المُستعبَدات في البيانات الجينية المُجمَّعة في أمريكا الوسطى، والكاريبي اللاتيني، وأجزاءٍ من أمريكا الجنوبية، بحوالي 13 إلى 17 مرة أكثر من الرجال. 

وإلى الحدِّ الذي كان فيه للناس من أصولٍ إفريقية في الأمريكتين نسبٌ أوروبي، من المُرجَّح أنهم كان لديهم آباءٌ بِيض في نسبهم أكثر مِمَّا لديهم أمهاتٌ بِيض، في كافة المناطق المذكورة، باستثناء الكاريبي اللاتيني وأمريكا الوسطى. 

ما يطرحه ذلك، حسبما كَتَبَ مؤلِّفا الدراسة ستيفين ماتشيليتي وجوانا ماونتاين في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني لشبكة CNN الأمريكية، هو أن التحيُّزات في البيانات الجينية المُجمَّعة تجاه النساء الإفريقيات المُستعبَدات والرجال الأوروبيين تشير إلى أجيالٍ من الاغتصاب والاستغلال الجنسي ضد النساء المُستعبَدات على يد المُلَّاك البِيض. 

كثيراً ما كانت النساء الإفريقيات المُستعبَدات يُغتَصَبن، ويقول رافي بيري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد إن “هذا ليس مفاجأةً” لأيِّ شخصٍ من أصلٍ إفريقي يعيش في الولايات المتحدة. وأشار مؤلِّفا الدراسة إلى أن الكثير من السرديات التاريخية تؤكِّد هذه الحقيقة. 

لكن الاختلافات الإقليمية بين الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية هي المُدهِش في هذا الأمر. 

بشكلٍ عام، أجبَرَت الولايات المتحدة والمستعمرات البريطانية السابقة الأشخاص المُستعبَدين أن يلدوا أطفالاً من أجل الحفاظ على قوة العمل -ما قد يفسِّر السبب وراء أن أطفال النساء المُستعبَدات من المُرجَّح أن يكونوا لآباءٍ مُستعبَدين أيضاً. ويقول مؤلِّفا الدراسة أن الفصل العنصري في الولايات المتحدة قد يكون عاملاً في ذلك أيضاً. 

في المقابل، يشير الباحثون إلى وجود سياسة عنصرية منحازة للبيض في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية، وقد جَلَبَت هذه السياسة المهاجرين الأوروبيين بهدف تخفيف وجود العرق الإفريقي. وكَتَبَ مؤلِّفو الدراسة أن هذه السياسة، علاوة على مُعدَّلات الوفاة العالية للرجال المُستعبَدين، تفسِّر الإسهامات غير المتناسبة في البيانات الجينية المُجمَّعة من جانب النساء المُستعبَدات. 

تُسلِّط الدراسة الضوء على تجارة العبيد داخل الأمريكتين 

هناك أناسٌ أكثر كثيراً من المُتوقَّع لهم جذورٌ نيجيرية في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، بالنظر إلى ما تُظهِره السجلات التاريخية عن المُستعبَدين الذين انطلقوا من الموانئ على طول ساحل نيجيريا الحالية إلى الأمريكتين، بحسب الدراسة. 

ما يطرحه ذلك هو أن هذا على الأرجح انعكاسٌ لتجارة العبيد بين المُستعمرات والتي جرت في معظمها من الكاريبي البريطاني إلى أجزاءٍ أخرى من الأمريكتين بين عاميّ 1619 و1807، بحسب ما كتبه ماتشيليتي وماونتاين. 

بمجرد وصول الأفارقة المُستعبَدين إلى الأمريكتين، وُضِعَ الكثيرون منهم في سفنٍ جديدة ونُقِلوا إلى مناطق أخرى. 

المؤلِّفون في الدراسة كَتَبَوا : “تشير الرحلات المُوثَّقة داخل الأمريكتين إلى أن الأغلبية الساحقة من الناس المُستعبَدين كانوا يُنقَلون إلى الكاريبي البريطاني وأجزاءٍ أخرى من الأمريكتين، فرضياً للحفاظ على اقتصاد العبيد بينما كانت تجارة العبيد عبر الأطلسي تتدهور بصورةٍ متزايدة”. 

حين يُباع المُستعبَدون، القادمون من نيجيريا إلى الكاريبي البريطاني، إلى مناطق أخرى، تنتشر سلالتهم إلى مناطق لم تتاجر مباشرةً من قبل مع ذلك الجزء من إفريقيا.  

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك