مايو 15, 2024

عبدالرّزاق الصبيح: كلّنا شركاء

يكتمل المشهد في سوريا، بعد مغاردة ما تبقّى من ممثّلين في “مسرحيّة مأساة السّوريين” والتي تجاوزت عامها السّادس، وبدأت منذ مطلع العام 2011، وخلّفت مئات الآلاف من القتلى والمشرّدين واللّاجئين، وكانت تتخلّلها فواصل دمويّة، لتظهر الحقيقة كاملة في فصلها الأخير.

وكانت القوى العالميّة الكبرى، قد قسّمت الأدوار بين السّوريين في الداخل و الخارج، واستطاعت أيضاً تقسيم الأدوار بين الدّول القريبة من السّوريين، وعملت على تقسيم المقسّم، وأوصدت الأبواب كلّها أمامهم، واشتغلت على شقين أحدهما عسكري والآخر سياسي.

وكان الشقّ الأول عسكري، حيث دفعت القوى الكبرى قسما من السّوريين إلى سلوك طريق التشدّد، ورفدتهم بكثير من العناصر التّابعين لها والمدربين على يد المخابرات الدّوليّة، وساعدت في ذلك وكانت الأبواب مشرعة أمام الكثير من المهاجرين لدخول سوريا، وقسم آخر أخذته العاطفة، لما يجري في سوريا، وسهّلت لهم الوصول إليها، وكانت أبواب المعابر مشرعة أمام هؤلاء.

وفي ذات الوقت كانت تحتضن الفصائل الثوريّة في الاتّجاه الآخر، وتراقب عملهم عن كثب، وتمنعهم في كثير من الأحيان، أن يتقدّموا كثيراً على حساب نظام الأسد، وتقدّم لهم الدّعم العسكري، والذي تناقص تدريجياً مع مرور الوقت، وكانت تعتمد على أشخاص دون خبرة، وتعمل على تحييد الضبّاط المنشقّين عن نظام الأسد، وكان الطّلب الأول من الفصائل الثوريّة مقاتلة الفصائل المتشدّدة، والتي كانت تطلق عليهم صفة الإرهاب.

وكان الثوار يستفيدون من الدّعم المقدّم لهم، في معاركهم ضد نظام الأسد، و مع سيطرة الثوّار على مساحات شاسعة شمال سوريا في بداية العام 2015، شعرت أمريكا وروسيا، أن خيوط اللّعبة بدأت تبتعد عن أيديهما، وخاصة مع اقتراب الثّوار من مدينة حماة، ومن مناطق موالية لنظام الأسد، في ريفها الغربي، وتعتبر حاضنته الشعبيّة، مما اضطر روسيا إلى الدّخول بشكل مباشر في الحرب لصالح نظام الأسد.

دخلت روسيا المعركة وبدأتها بضرب فصائل ثوريّة كانت محسوبة على (المعتدلين)، وانتقلت إلى قتل المدنييّن، وتدمير البنى التحتيّة في ادلب وحلب، بينما كانت أمريكا تدخل شمال شرق البلاد بهدوء، وكانت قد هيّأت الأرض، وكادت تلعب بالورقة الكرديّة، والتي تناوبت الدّول على اللّعب بها، على مدى سنوات، وكانت تربح فيها في كل مرّة.

وكان الشقّ الآخر الذي لعبت عليه الدول هو الشقّ السّياسي، بعد تغلغل الكثير من السّياسيين، في صفوف المعارضة السّياسية، بحجّة الانشقاق عن نظام الأسد، وأصبحت قبلتهم الدول الغربيّة.

ووصل هؤلاء إلى أعلى المناصب في المعارضة السّياسيّة، ومنها رئاسة الائتلاف الوطني السّوري المعارض، وكانت لهم نشاطات كثيرة في الداخل السّوري، بحجّة الدّعم، وكما أسسوا العديد من الهيئات الثوريّة، والمنابر الإعلاميّة، لترويج أفكارهم وشراء الشّارع.

اختراقات كبيرة في صفوف الثّورة السّوريّة، جعلت السّوريين يدفعون ثمنها دماً ومدناً كاملة، وانتقل الصراع إلى الثّوار أنفسهم، وما بين متشدّد ومرتدّ، انقسمت الثّورة انقسامات طولانيّة، وكادت أن توصل بهم إلى الهاوية.

يقول النّاشط السياسي علي القسّوم: هذه الاختراقات نتيجة غياب التّنظيم والتنسيق، بين مختلف القوى الثورية في سوريا، بسبب تعدد الولاءات الخارجيّة حسب مصادر الدعم، وأيضاً بسبب غياب دور حقيقي ومتوازن للأمم المتّحدة في حلّ مأساة السوريين.

وعن الرؤية المستقبليّة للبلاد يضيف “بقاء الثّورة والقوى الثّوريّة في سوريا، على هذا النّهج في التّعامل مع الواقع الدّاخلي والدّولي، سيكون له آثار سلبيّة على سوريّة، لذلك لابد من اتّفاق هذه القوى على صياغة مشروع ثوري موحّد، وهو مشروع سوريا الحرّة، والذي قامت من أجله الثّورة”.

يجب أن يتضمن مشروع الثّورة، إسقاط نظام الأسد وبناء دولة العدل والقانون، وأن تعمل هذه القوى على تحديد الوسائل والآليات المتوفّرة، ضمن الواقع لتحقيق هذه الأهداف، بحسب قسوم.

وتخلّل مأساة السّوريين فواصل دمويّة مؤلمة، وكانت في غالبها مضيعة للوقت لصالح نظام الأسد، في مؤتمرات جنيف والأستانة وغيرها، والتي كانت فرصة لنظام الأسد ليقتل أكثر ويسيطر على مساحات أكبر، حيث شهدت الفترات الزمنيّة المرافقة للمؤتمرات الدوليّة، العديد من المجازر بحقّ السوريين، بالتّزامن مع المؤتمرات الدّوليّة.

وبالإضافة إلى الدّورين الروسي والأمريكي، كانت بعض الدول الإقليمية مثل تركيا والسعودية وإيران، تلعب دوراً في الأحداث السوريّة، وما لبث أن تلاشى هذا الدور، بعد وصول قوات بريّة خاصة لأمريكا وروسيا، وبعد أن كادت تركيا، أن تدخل الظلام بعد محاولة انقلاب فاشلة، كادت أن تطيح بالبلاد، على الرغم من استخدام قاعدة (إنجرليك التركيّة) لصالح الأميركان أنفسهم، ورغم ذلك تم استبعادها تدريجيّاً.

وبعد أكثر من ستّة سنوات، انتقل قتال قسم كبير من القوى بشكل أو بآخر، لصالح نظام الأسد، وعاد الكثير من اللّاعبين العسكريين والسّياسيين والشرعييّن، إلى (حضن الوطن)، إلى مناطق سيطرة نظام الأسد، بعد أن لعب الدّور كاملاً، وأنجز المهمّة الموكلة إليه من قبل نظام الأسد، والتي غيّرت مجرى الأحداث في مناطق خرجت عن سيطرة نظام الأسد، في كثير من المواقع.

و يغادر الممثّلون المشهد السّوري السّاحة السّورية، بعد انتهاء أدوارهم كاملة، لينتقل الدور الحقيقي لمن رسم الخارطة قبل سنوات، بعد أكثر من ستّة سنوات، تقترب المسرحيّة من فصلها الأخير في سوريا، بعد بروز اللّاعبين الحقيقيين في السّاحة السوريّة، ليجمع القدر ليس على سبيل الصدفة، بين القوّات البريّة الروسيّة والقوات الأميركية في منبج شمال شرق سوريا، ويتخلل المشهد قليلاً من عناصر نظام الأسد والكرد، بينما ينظر إليهم الأتراك والإيرانيين من بعيد.

ليس صدفة ما يجري في سوريا، فقد تم كتابة فصول مسرحيّة “مأساة السّوريين” بالتنسيق بين الرّاعيين الأكبر للسّلام في العالم أمريكا وروسيا، وكان الإشراف على الأدوار بالتّناوب بين الطّرفين، ليتم اقتسام الكعكة السّورية، والتي غمست بدماء السّوريين، مناصفة بين قاعدة أميركيّة في شمال شرق البلاد، وقاعدة روسيّة في عرض المتوسّط.

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع