أبريل 24, 2024

مستوى قياسي جديد، قفزت إليه عملة بيتكوين، العملة الرقمية التي أطلقها ساتوشي ناكاموتو في عام 2009؛ إذ تجاوزت هذا الشهر (ديسمبر/كانون الأول 2017) قيمتها 17 ألف دولار لكل عملة.

ومنذ إطلاقها، تداول الناس مجموعة من الأكاذيب واسعة النطاق حولها؛ ربما بسبب تصميمها التقني المعقد، أو مجتمعها المتحمس من المناصرين لها، أو قصة تأسيسها الغامضة الشهيرة (ظل مؤسسها مجهول الهوية لسنوات).

تقرير لصحيفة Washington Post الأميركية عرض هذه الأكاذيب التي تعوزها الدقة، والتي يجب على المهتمين بهذه العملة معرفتها؛ حتى لا يدفعوا ثمن هذه المعلومات الزائفة التي ترسخت في أذهان الكثيرين.

إليك خمساً من هذه الأكاذيب:

الأكذوبة الأولى: نظام عمل العملة لا يسمح سوى بإنتاج 21 مليون وحدة فقط

pic

وُصِفت عملة بيتكوين في عنوان أحد الكتب باسم Digital Gold فمنذ اليوم الأول لإطلاقها، افتُرِض أنَّه من المستحيل إصدار وحدات بيتكوين أخرى بخلاف الـ21 مليون وحدة المُخطَّط لتداولها. وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول من عام 2017، نشرت مؤسسة غولدمان ساكس المالية الأميركية تقريراً بحثياً، جاء فيه أنَّ “الرقم الإجمالي المسموح به لإصدار وحدات عملة بيتكوين محدود”.

فيما كان رون بول، أحد المنحازين للتعامل بالذهب، معجباً بفكرة أنَّه لا توجد حكومة قادرة على خفض قيمة بيتكوين عن طريق زيادة العرض منها.

ومع ذلك، ليس هناك ما يضمن ثبات الحد الأقصى لعرض بيتكوين، فنظام عمل العملة الأصلي يطالب بإصدار الـ21 مليون وحدة بوتيرةٍ بطيئة على مدار السنوات المائة المقبلة أو نحو ذلك.

لكن، يمكن تعديل هذا البروتوكول بإجراء اتفاقٍ بين غالبية المشاركين في شبكة بيتكوين، كما حدث بالفعل عدة مرات، مثل التحديث الذي ساعد المستخدمين على تحديد شروط الدفع.

وحتى الآن، دافع مجتمع بيتكوين بشدة عن قيمة الحد الأقصى للعرض، ورفضَ إحداث أي تغييرٍ فيه رفضاً قاطعاً. لكن ما يُبقي الأمور على نحوها حتى الآن، هو السياسة التي يتبعها المستخدمون بين بعضهم وبعض، لا الأرقام أو الحدود القصوى.

وقد تتغير هذه السياسة إذا تصالح أتباع بيتكوين مع رأي الاقتصاديين الذين يتبعون النهج السائد، والقائلين بأنَّ العملة ستقع في دوامة انكماشية تضيع فيها الوحدات بطريق الخطأ مع مرور الوقت؛ ما سيؤدي إلى تضاؤل نسبة المعروض منها.

ويخشى علماء الحاسوب أيضاً من أن يصبح البروتوكول غير مستقر وسط ما يحدث من إلغاءٍ تدريجي للمكافآت التي يحصل عليها “المُنقِّبون” (الذين يؤمِّنون النظام باستخدام قوة حاسوبية هائلة) مقابل التنقيب عن العملة، وذلك لصالح رسوم المعاملات، أو لتقليل نسبة التضخم.

ولهذه الأسباب، تجنَّبت بعض العملات الرقمية الجديدة سلوك الطريق ذاته الذي سلكته بيتكوين. وبدلاً من ذلك، تتبع هذه العملات نسخة رقمية من مقترح ميلتون فريدمان، الحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد، بمحاولة التوصُّل إلى مُعدل تضخم منخفض، لكنَّه ثابت.

الأكذوبة الثانية: متعاملو بيتكوين مجهولو الهوية

bitcoin

زعم ناكوموتو، مؤسس بيتكوين، أنَّ العملة تضمن لمتعامليها الخصوصية؛ لأنَّ التعاملات ليست مدرجة تحت هوياتهم الحقيقية.

وتستخدم تقنية بلوك تشين (شبكات مقاوِمة للتلاعب) التي تستخدمها عُملة البيتكوين، أو السجلات العامة الدائمة للمعاملات، أسماء مستعارة مشفرة، ويمكن للمستخدمين إنشاء الكم الذي يريدونه من الأسماء المستعارة؛ إذ تنتج معظم برمجيات بيتكوين اسماً مستعاراً مختلفاً لكل معاملة.

ويشجع موقع ويكيليكس الجهات المانحة على استخدام بيتكوين؛ لأنَّها “مجهولة” و”لا يمكن تعقُّب المتعامل بسهولة من خلالها”.

بل وصل كينيث روغوف، الاقتصادي بجامعة هارفارد، إلى حد القول بأنَّ الحكومات في نهاية المطاف سوف تتحرك ضد العملات المشفرة؛ بسبب ما تقدمه من ميزات عدم الكشف عن هوية المُتداوِل.

لكنَّ الغالبية العظمى من مستخدمي بيتكوين لا يتمتعون بقدرٍ من الخصوصية يزيد كثيراً على الخصوصية التي توفرها التحويلات المصرفية التقليدية، وغالباً ما يحظون بخصوصية أقل بكثير من التي يقدمها الدفع النقدي.

ويرجع ذلك إلى أنَّ إمكانية الربط بين الأسماء المستعارة المختلفة للمستخدم الواحد أصبحت متاحة لو استطعت تحليل الأنماط في سلاسل بلوك تشين، وتُقدِّم العديد من شركاتِ تحليل سلاسل بلوك تشين بالفعل خدماتها لأجهزة إنفاذ القانون.

والأهم أنَّ أغلب المستخدمين يتركون دليلاً وراءهم عند شراء أو بيع بيتكوين مقابل الدولار أو العملات الأجنبية الأخرى؛ إذ تسجل الخدمات المصرفية حسنة السمعة هويات المتعاملين ضمن تطبيق معايير وقواعد “اعرف عميلك”.

فيما يمكن للمستخدمين الأكثر دراية بالناحية التقنية إخفاء هوياتهم عبر بروتوكولات خلط العملة، فيستبدل المستخدمون من خلالها القطع النقدية بعضها ببعض للتلاعب بأنماط المِلكية، لكن لا تزال هذه الطريقة معقدة ولا تُستخدم إلا نادراً. وتوفر بعض العملات المنافسة لبيتكوين قدراً أعلى من الخصوصية، لكنَّها تظل أقل شعبية منها بكثير.

الأكذوبة الثالثة: بيتكوين ليست في متناول القانون

bitcoin

في الأيام الأولى التي تلت إطلاق بيتكوين، كانت تُمثِّل العملة المفضلة لسوق مخدراتٍ سرية جنت تجارتها ملايين الدولارات وتُسمَّى طريق الحرير؛ مما دفع المنتقدين، بدايةً من الرئيس التنفيذي لمصرف جي بي مورغان تشيس، ومنظم السوق المالية في فرنسا، إلى جوزيف ستيغليتز، الحائز جائزة نوبل، إلى الزعم بأنَّ بيتكوين ملاذٌ لأولئك الذين يسعون للتهرب من القانون.

وقال ستيغليتز مثلاً إنَّه يجب حظرها. وحتى مناصرو بيتكوين أنفسهم يقولون في بعض الأحيان، مثلما جاء في أحد التحليلات، إنَّ التكنولوجيا “متفوقة بخطوة على القوانين المضادة للمنافسة والسلطات القضائية المعادية لها”.

لكنَّ هذا ليس صحيحاً تماماً. فدائماً ما تتطلب التكنولوجيا الجديدة تفسيراتٍ مُحدَّثة للقوانين السارية وأحكام القضاء -وهي في هذه الحالة مكتوبة في الأصل لأجزاءٍ أخرى من القطاع المالي- وتسير هذه العملية التدريجية بصورةٍ جيدة فيما يتعلَّق بعملة البيتكوين. وتنظم قوانين محددة في بعض الولايات الأميركية، مثل ولاية نيويورك، والقواعد المتعلقة بخدمات نقل الأموال في أماكن أخرى، عمليات تبادل بيتكوين.

وتحاول جميع التداولات السائدة لبيتكوين على الأقل، الامتثال لقوانين “اعرف عميلك”؛ لتجنُّب عمليات غسل الأموال.

وتَعتبر مصلحة الضرائب الأميركية بيتكوين ممتلكاتٍ خاضعة للضريبة، وبدأت لجنة الأوراق المالية والبورصات مؤخراً في وضع إجراءاتٍ صارمة على عمليات الطرح الأولي العام بعملة البيتكوين، وهي نوع جديد من آلية جمع التبرعات القائمة على تقنية بلوك تشين، بموجب سلطتها الحالية لتنظيم الأوراق المالية.

جديرٌ بالذكر أنَّ سوق طريق الحرير الأصلي أُغلِق، وتمكَّنت السلطات من وأد جهودٍ كثيرة لإنشاء أسواقٍ مماثلة في مهدها، فيما تحركت العديد من البلدان الأخرى، أبرزها الصين، بقوةٍ، نحو تنظيم أو حظر أنواع معينة من تعاملات العملات الرقمية.

 

الأكذوبة الرابعة: بيتكوين تُهدر الطاقة

bitcoin

التنقيب عن بيتكوين عملية تستهلك قدراً هائلاً من الطاقة. يمكن لأي شخص أن يصبح منقباً، لكنَّه سيحتاج إلى رقائق إلكترونية خاصة تعمل باستمرار على حل الألغاز المشفرة التي تخلق كتلاً جديدة في دفتر حسابات بيتكوين (في مقابل حق الحصول على عملات بيتكوين أُصدرت حديثاً).

وبسبب طبيعتها اللامركزية، لا أحد يعرف بالضبط كمية الكهرباء التي تستهلكها هذه العملية، لكن يُحتمَل أنَّها تتجاوز عدة غيغاوات في أي لحظة معينة، أي ما يعادل تقريباً إنتاج محطة ضخمة لتوليد الطاقة؛ مثل سد هوفر.

ولا عجب من أنَّ المراقبين أعربوا عن أسفهم لتأثير بيتكوين في البيئة، فقد أفادت التقارير بأنَّ المعاملات الفردية تستهلك طاقةً تعادل الطاقة المستهلكة بمنزلٍ بأكمله في أسبوعٍ أو أكثر، ما يعني أنَّ بيتكوين سوف تستهلك كل كهرباء العالم في غضون بضع سنوات.

لكن، إذا قارنَّاها بالنفقات العامة للعُملات المختلفة، فسنجد أنَّ البنوك تدفع أموالاً باهظة لحراس الأمن (من بين العديد من النفقات الأمنية الأخرى)، الذين غالباً ما يقفون فقط لمراقبة العملاء لا أكثر.

ونحن لا ننظر إلى هذه الإجراءات باعتبارها إهداراً للمال، فمن دون حراس الأمن، يُمكن للسرقة أن تقوِّض النظام المالي بأكمله، وينطبق الشيء نفسه على الطاقة الخام التي يستخدمها منقبو بيتكوين.

فنحن لا نعرف حتى الآن كيف يمكن تأمين دفتر حسابات لا مركزي، مثل سلاسل البلوك تشين التي تستخدمها بيتكوين، دون اللجوء إلى آلية تستهلك طاقةً بهذا الحجم.

هناك جدلٌ علمي مفتوح حول مقدار الطاقة اللازم لتأمين النظام، وذلك مع وضع الإيرادات التي يحصل عليها منقبو بيتكوين في الاعتبار. وإذا أثمرت محاولات البحث عن طرق استهلاكِ قدرٍ أقل من الطاقة، أيَّ نجاح، فقد تطرأ تغييرات على البيتكوين أو يحل محلها منافس أكثر مراعاةً للبيئة. لكن حتى ذلك الحين، ستكون هذه تكلفة أساسية للعملة.

الأكذوبة الخامسة: ستحل بيتكوين محل بطاقات الائتمان أو/و العملات النقدية

bitcoin

يتوقع العديد من أنصار بيتكوين شديدي التفاؤل، مثل كيم دوتكوم، مؤسِّس موقع مشاركة الملفات Megaupload، أن تحل بيتكوين محل أنظمة الدفع الأخرى. يقول تيم دريبر، المستثمر الرئيسي بوادي السيليكون: “في غضون 5 سنوات، إذا حاولتَ استخدام العملات النقدية المعتادة فسيسخرون منك”.

لكنَّ بيتكوين لا تمتلك بعدُ العديد من الخصائص الرئيسية اللازمة لإنشاء آلية دفع عالمية. أولاً، يحد تصميمها حالياً من تعاملات النظام؛ إذ يقتصر على عدد قليل من المعاملات في الثانية الواحدة، التي لا يقترب عددها حتى من معاملات بطاقات الائتمان التي تبلغ عشرات الآلاف، أو عدد المعاملات النقدية التي تبلغ العدد ذاته هي الأخرى.

وقد عمل مجتمع البيتكوين سنوات على خطط مختلفة لتحسين سعة العملة، لكنَّ أفراده لم يتفقوا بعد على مسار معين ليتحركوا باتجاهه.

ثانياً، أصبحت معاملات بيتكوين، التي كانت في وقتٍ ما مجانية، مكلفةً على نحوٍ متزايد. فأصبح متوسط ​​الرسوم يبلغ الآن 20 دولاراً؛ بل قد يصل أحياناً إلى 400 دولار، وذلك بناءً على الطلب. ويعمل المطورون على تحسين سعة العملة، لكن في الوقت الراهن، تسير العملة في الاتجاه الخاطئ.

أخيراً، لا تصبح معاملات بيتكوين نافذة المفعول فور إتمامها بسبب القيود المفروضة على البلوك تشين؛ إذ تُضاف المعاملات الجديدة فقط كل 10 دقائق في المتوسط، وإذا طلب المستخدمون مزيداً من الأمن، فقد تستغرق أكثر من ساعة. وحتى مع التحسينات المُزمع إدخالها، لا يزال من غير الواضح ما إن كان بمقدور العملات الرقمية، القائمة على التكنولوجيا، أن تتحول إلى نظام دفعٍ عالمي، فبيتكوين أشبه بمخزنٍ احتياطي للقيمة، وهي أقرب إلى سبائك الذهب أو أذونات الخزانة منها إلى التعاملات اليومية.

لماذا لا تنهار هذه العملة حتى الآن؟

يؤمن المستثمرون العاديون حسب تقرير نشر في “هاف بوست عربي” بأن أصحاب الحسابات المهمة من البيتكوين لا يفرطون في هذه الحسابات على أمل أن تتضاعف أرباحهم.

وقال سيباستيان كينسمان، الذي يعيش في براغ ويتاجر بالبيتكوين، “أعتقد أنه من المنطقي أن هذه الحيتان التي تملك الكثير من حسابات البيتكوين لا تريد أن تدمر أو أن تتخلى عن أي واحد من هذه الحسابات”. ولكن مع ارتفاع الأسعار المستمر قد تتغير هذه الحسابات.

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك