مايو 8, 2024

 

المخرج  مأمون البني : كلنا شركاء

استمعت لأحد المحاضرين في الاعجاز العددي للقرآن الكريم وأمضيت ساعات متتالية لأدقق في متواليته المعجزة والتعجيزية، لكن تبين لي كله كان كذباً وخداعاً. مما ذكرني بسنين يفاعتي عندما كانوا أولياء الأمر يملون علينا نظرياتهم المختلقة.

تربينا على طاعتهم أكانوا خطائين، أم نصابين أم شرفاء. تربية عقيمة أوصلتنا إلى الخوف من نقاش أي من أهل العلم، أسيادنا علماء الدين (كما كان يسمون أنفسهم) أو أصحاب النيافة من رؤسائنا السياسيين. أذكر عندما كنت في الإعدادية وكان مولى علينا أستاذ التربية الدينية الذي كان يطردني من ملكوت حصته مجرد ولوجه داخل الصف، لأن وجودي كان يُنفض بدنه ويُزلزله، وكان يستعود بالله من الشياطين، فقد كنت بنظره المفسد الأكبر لرفاقي، وبالتالي حرمني الأستاذ نعيم من نعمة الاستفادة من الإجابة على أسئلة كانت تدور في خاطري منذ الصف السابع وحتى الصف التاسع.

فرحت جدا عندما انتقلت إلى المرحلة الثانوية مرحلة اليافعين، مرحلة تشكل الفكر لدى هذه الفئة العمرية من طلائع الشباب الثائر ضدّ الرجعية وال … لم أعد أذكرها كلها لقد كانت كثيرة، منها على ما أذكر: ضدّ الامبريالية، ومرّة ضدّ الاستعمار، ومرّة ضدّ الناصرية، وأخرى ضد الشيوعية، ومرّة ضدّ اليمين ومرّة ضدّ اليسار، ومرّة ومرات، حتى بتنا نستيقظ كل صباح نتلمس ماذا يريد الوالي الأكبر حتى نردد له البسملة .

باختصار كنت سعيداً في الصف العاشر. لأني كنت بطلاً، نعم هكذا قيل لي. لقد ترعرعت أثناء دراستي الثانوية في ظلّ العهد البعثي، كنت أتدرب في الفتوة وأمتطي بدلتها العسكرية وأردد شعار الحزب صحيح بالصرماية، لكن كان ذلك ينعش فؤاد مدرب الفتوة الذي كان يهابه كل أساتذة المواد الدراسية الأخرى. ولما لا ..! أنه كان ضابطاً في الجيش العربي السوري، وفي الجيش الدفاع المدني، و الجيش الشعبي و جيش الدفاع الجوي و جيش القوات الخاصة و جيش سرايا الدفاع والصراع وجيش طلائع البعث، والحرس الجمهوري ووووو الخ . كان هذا المدرب الشامخ الباشق السام السامق الرفيق الراسخ.. الخ صاحب أكبر شوارب في غينس، قد علّمنا كيف نرفع رؤوسنا عالياً أمام العالم القزم، وأمام الله . نحن أبناء الشعب السوري، شعب البعث، شعب الله المختار، الشعب الذي سيحرر الأمة العربية بقيادة راعيها الأكبر القائد الفذّ والمناضل الهمام والفارس البطل والمؤمن الآمن و وووو ألخ، من الطغيان الاستعماري القمعي الجاثم والقابع والمسيطر والمتسلط على رقاب أمتنا العربية من المحيط إلى الخليج..!

كان ذلك بمثابة ذخيرة لتشكل عنفوان طالب في الصف الأول الثانوي يتدرب عسكرياً، ويردد شعار: وحدة حرية اشتراكية. ويسقل معلوماته وثقافته من استاذ التربية القومية الذي كان يشرح المنطلقات النظرية لحزب البعث العربي الاشتراكي أكثر من تاريخ سوريا القومي، ببغاء هكذا كان يصفه رفيقي سعيد الذي لازمني في مقعد الدراسة.

صرخت باكياً أستاذ ممكن سؤال: لقد مات سعيد رفيقي الذي تمقته…! لقد مات بسبب سقوط طائرته الشراعية الذي كان يتدرب عليها في الفتوة.. صرخ الأستاذ بصوت أعلى من صوتي: لا تقل مات …! قل الشهيد سعيد.. حسنا.. ما هو سؤالك؟ أجبت لقد كان هذا هو السؤال، لماذا نسميه الشهيد…؟ لقد قتل…! وعوضاً أن نحتفل بشهادته وبطولته، يجب أن نحاكم المسؤول عن مقتله. لقد كان صغيراً في السن ليتدرب على قيادة الطيران الشراعي لأجل ماذا؟ لأجل حفنة من العلامات الإضافية لتضاف على جلائه! قال وبأمر يشبه أستاذ الديانة في الاعدادي، أنت عميل .. أنقلع من صفي ولا تريني وجهك إلى نهاية العام …

انتهت السنة الدراسية مع نكسة حزيران.. الحمد لله على كل شيء، صحيح خسرنا الحرب لكن انتصرنا على المؤامرة بفضل مقاومة قواتنا الباسلة التي تصدت للعدوان ومنعته من تنفيذ مؤامرته الدنيئة بهدف اسقاط حزب البعث. كان ذلك بفضل لحمة منظماتنا الشعبية الوطنية مع القيادة الحكيمة التي قادها وسيقودها مستقبلاً رئيسنا المفدى والذي سيقتلع فلول الرجعية والانتهازية والذي سيقوم بحركته التصحيحية وسينطلق بسوريا إلى فضاءات العالم المتقدم يداً بيد مع بلاد فارس العظيمة.

لقد أصبحنا فعلاً نسبح في فضاءات افتراضية وصرنا نموذجا يحذى به

كل دول الاجرام في العالم، وصارت سوريتنا معهداً لتدريب مرتزقة العالم أجمع من كل الأجناس والطوائف.. لكن ألا يدل كل ذلك على وحدة الصف العالمي و اشتراكية كل القوى المتقاتلة في بلد كل من إيدو إلو ..

أصبح المثقف جاهلاً والوطني خائناً والمعارض جاسوساً والطالب صايعاً والغني فقيراً والانتهازي وطنياً والعميل مناضلاً.

وهكذا عكس النظام النقيض. فقد أصبحت بطولاتنا خضوع وزهونا اذعان، وسلامنا هتك وجهادنا إرهاب. ورب يسّر.  

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع