مايو 4, 2024

 المحامي ادوار حشوة : كلنا شركاء
1- في البداية الاسلام  اعتمد  في انتشاره في داخل الجزيرة على  الحرب القبلية السائدة في مجتمع تتقاتل عشائره  وقبائله على موارد الماء والعشب والابل واحيانا  لأتفه الاسباب  ولكن الاسلام  استبدل الاسباب الدنيوية بالسبب الديني ابتغاء جنة موعودة.
مفهوم الجهاد في ظل قيادة الرسول لدولته في المدينة كان موجهاً (ضد المشركين ) فقط ولم يكن موجهاً ضد المسيحية واليهودية  وانتهت ضرورته الدينية  بفتح مكة  ولا يوجد  في كل احاديث الرسول ما يدل على توجيه الجهاد الى ما وراء الجزيرة وكل ما ورد بعد تآمر اليهود هو عبارة ( لا يجتمع في الجزيرة دينان )  فكان هذا تصرفا املته السياسة للحفاظ على تماسك الدولة وليس اعلانا للحرب عليهما  لان النصوص في الايات التي تتعلق بالعلاقة مع الاديان الاخرى لاتسمح  بضرورة ذلك تحويل الجهاد الى غير المشركين  والى خارج الجزيرة   حدث بعد وفاة الرسول واقامة الدولة على مفهوم مستحدث هو الخلافة  التي  قادت  تحت شعار  الجهاد حروب الفتح واسست مدرسة العنف ضد دول مجاورة لم تعلن الحرب على دولة المسلمين  فكانت استثمارا  لمفهوم الجهاد لاسباب سياسية وخلقت حالة (نشر الدين بالحرب) والتي  سيطرت على الفكر الاسلامي  لقرون خلافًا للنص الاصيل ( لا اكراه في الدين ) و خلافاً    لاعتبار الايمان بالاديان  السماوية ركنا من اركان الاسلام .
2- حروب الفتح لنشر الدين بالعنف حققت انتشارا في المغرب ومصر وبلاد الشام والعراق وايران في حين ان الاسلام انتشرفي كل اسيا شرقا وفي افريقيا  دون حرب ولا عنف وعن طريق التبشير الديني والجمعيات الخيرية واعمال الاغاثة والاحسان  لذلك فان من  التحقوا بالاسلام عن قناعة ودون حرب ولا جهاد في العالم هم اكثر من   ثمانين بالمئة من مسلمي العالم مما يؤكد ان  من  الخطأ  استثمار الجهاد الديني في بدايات الاسلام ضد المشركين لنشر الدين بالحرب  لدى غير المشركين  لانه  لم  يعد ضروريا ما دام بدون عنف وبوساىل عقلانية ينتشر الاسلام  بوتيرة اسرع وافضل .
3-  بعد انتصار الاسلام في الجزيرة ذهب الى حروب جهادية تحت مسمى جديد اسمه الفتح لاحتلال ارض الاخرين في الجوار  ابتغاء خيراتها و نشر الدين بقوة الفتح.
اتسمت حروب الفتح  بتصرفات  ضد الحضارة المقيمة في فارس وبيزنطه والغيت المدارس واحرقت المكتبات والقوانين والاعراف   في عملية استبدال قسري  لحضارات مقيمة  لصالح حضارة وافدة من مجتمع بدوي ليس فيه من فكر حضاري علمي غير  القرآن الكريم الذي  خفف كثيرا ً من وحشية الفتح وتعاليه على حضارتين عريقتين في الشرق وارتبط هذا الاعتدال بوجود  خلفاء متنورين .
لم يحارب المسلمون في حروب الفتح   الوثنية  التي تعبد الاوثان لانها لم تكن موجودة بل كان  الفتح ضد  شعوب تعبد الله من اهل الكتاب الذين  هم اقرب الناس الى الاسلام  ولذلك كانت  حروب الفتح  اقرب  الى غزو لارض الغير   واحتلالا واضحا ولو انه تم تحت ستار ديني كمبرر  لهذا الغزو وطبعا افتقد  الفتح المشروعية الدينية  لانه  لا فارس ولا بيزنطة اعلنتا الحرب على دولة الاسلام في المدينة  التي  هي وحدها  من هاجمت الدولتين  بحجة نشر الدين الجديد وليس لان  احدا قاتلهم منهما . .
 4–  حروب الفتح لم تترافق مع هجرة بشرية من الجزيرة الى بلاد الشام ومصر وما وراءهما فقط  كان حكام حروب الفتح من الجزيرة (طبقة حاكمة)  وتحول الناس الى الاسلام تحت سيادة عرب الجزيرة  والاغنياء من المسيحين واليهود دفعوا الجزية واحتموا بها للاستمرار في الوجود ولولا الحكمة الالهية في موضوع الجزية لما بقي مسيحي او يهودي واحد في بلاد الفتح.
في العهد الاموي   كان سكان البلاد من مسلمين ومسيحين  اقرباء ومن عشائر وعائلات واحدة  لذلك اعتمد الحكم الاموي عليهم مسلمين ومسيحين في ادارة الدولة وتنظيمها وفي العمران والتدريس فشكل هذا  دولة خففت كثيرا من  مشاعر الناس تجاه الاحتلال   وارتضوه  وقسم كبير دافعوا عنه ووضعوا خبراتهم الحضارية في تصرفه  والاعتدال في بلاد الشام وليد الشعور لدى اكثريتهم انهم  اقرباء توزعوا الى دينين  ليس من الضرورة ان يتبادلا التعصب .
 الفرس  ظلوا يحنون الى تاريخهم  وحضارتهم بانتظار فرصة تتيح لهم لا التخلي عن الاسلام بل  التخلص من الهيمنة العربية عليهم  عبر تبني  اسلام  مضاد لبني امية يقوم على شرعية اسلامية  مضادة لاحتكار الاموين العرب للخلافة فكان التشيع لآل البيت هو الطريق .
عبر  التشيع لخلافة من  آل البيت  اسقط الفرس الحكم الاموي  بجيوش اغلبها منهم بقيادة ابو مسلم الخرساني الذي  قتل كل العائلات الاموية وانصارها  ونبش قبور خلفائهم   وقسم من العائلات الاموية التجأ الى لبنان  واحتضنهم الموارنة واعطوهم اسماء  مسيحية لحمايتهم من البطش الفارسي وقسم  نقله الموارنة عبر البحر الى الاندلس .
  في فترة الحكم العباسي كان الخلفاء يتفهمون الدور الفارسي ويراعون حضوره وتاثيره ولم يصطدموا به وفي خلافة   المأمون  وما بعده   صار الخليفة مجرد رمز يحكم الفرس من ورائه والمرجعية  الدينية صارت تحت سيطرة فقهاء الفرس .
5-  خلال   القرنين الاخيرين توقفت حرو ب الفتح  ومعها توقف استعما منظومة الجهاد لنشر الدين واستبدلها المتنورون بالعقل وا لحوار واعمال الاغاثة والا حسان فالتحقت بالاسلام شعوب وامم عديدة في اسيا افريقيا وحتى في اوروبا وفكانت نسبة هؤلاء الذين التحقوا بهذه الوسائل الحضارية  هي     ثمانون بالمئة  من مسلمي العالم وغدا الذين التحقوا بالاسلام  عن طريق العنف والفتح اقلية لا يعول على نجاحها القديم .
 6- التيارات الدينية المعاصرة:
1- مع قيام السوفيات باحتلال افغانستان واقامة حكومة شيوعية فيها في ظل الحرب الباردة بين الشرق السوفياتي والغرب الراسمالي بدأت مرحلة صعود التيارات الدينية الاسلامية المتشددة.
مما لاشك فيه ان الغرب بقيادة الولايات المتحدة كان وراء تشجيع التطرف الاسلامي  و هي  التي  قاد ت الحرب المضادة للا حتلال  السوفياتي تحت شعار ديني اسلامي  امدته  الحركة الوهابية بالتغطية الدينية  والتي دعت الى الجهاد ضد الشيوعية الملحدة التي احتلت بلاد المسلمين وامدت الدولة السعودية المجاهدين الذين توجهوا للحرب من السعودية ومن كل  البلاد الاسلامية بالمال والسلاح الاميركي والمستشارين الاجانب  لذلك  فان اعادة العمل بمنظومة الجهاد هو من اخراج المخابرات الاميركية ولخدمة مصالحها ضد الشيوعية..
حققت الحرب انتصارات ضد الجنود الروس وهزمتهم في معارك عديدة عبر حرب عصابات  شاملة  في كل مكان  وادى الامر الى انعدام الاستقرار للحكم والى الاف القتلى من الروس  فانسحبوا مهزومين وسقطت  الدولة التي اقاموها وقتل رئيسها واستولى الاسلاميون على السلطة ثم  بدأت  مرحلة الخلافات الداخلية لآضعاف التيار الاسلامي  وادارة الحرب بين اجنحته لكي يقتل المجاهدون بعضهم البعض خاصة ان الدول التي جاءوا منها بما فيها السعودية لا يريدون عودتهم اليها .
2- اقام الافغان والمجاهدون العرب خلافة اسلامية وبايعوا خليفة من افغانستان هو الملا عمر  احد المقاتلين ضد السوفيات  و خلف الستار   كانت   قيادة ابن لادن  احد ابرز المقاتلين والممولين المعتمدين من السعودية في الحرب على السوفيات ولكن تحت شعار  محاربة الاميركين وكل الغرب المسيحي  الكافر اضافة للاسياد الاميركين الذين جاءوا بهم وسلحوهم.
كانت فلسفة ابن لادن تقوم على( اعادة العمل  بمنظومة الجهاد )  التي توقفت ونشر الفكر الوهابي واستنفار كل مسلمي العالم وتجنيدهم في الحرب العالمية ضد الغرب  بمكوناته الدينية والحضارية في مشروع اممي لنشر الاسلام  بنفس وساىل بداياته .
لكي يحقق ابن لادن افكاره كان بحاجة   لتحريك  المسلمين عن طريق  جر الغرب الى حرب عالمية ضد المسلمين فتستفيق خلاياهم وتتجند في الحرب لصالح خلافة اسلامية بالاكراه الناجم عن الخوف من الآخر . .
ارسل خليفة افغانستان عشرين وهابيا اكثرهم من السعودية الى الولايات المتحدة ( وليس الى اسراىئيل  )  ودربهم على الطيران وعبر خطف الطاىرات في   ايلول  قتل اكثر من الفي اميركي فكانت كارثة تفوق الوصف في  البيت الاميركي  في اعظم دولة عظمى فوقع الرئيس بوش في الفخ واعلن  انها حرب صليبية تماما كما اراد وخطط ابن لادن وعمليا ذهب الاميركيون الى حرب عالمية ضد خلافة افغانستان ثم ضد كل المتشددين في العالم تحت شعار مقاومة الارهاب  .
 فهل حقق ابن لادن اي نجاح لمشروعه في اعادة  العمل بمنظومة الجهاد بالفتح والعنف كما كان الامر في البدايات؟
1- ان  الذين انخرطوا في مشروع ابن لادن الوهابي في كل انحاء العالم الاسلامي حتى الان  لم يتجاوزوا
المئتي الف من اصل مليار مسلم لم يساندوا هذا المشروع وكل الدول الاسلامية وقفت ضده وشاركت في الحرب العالمية عليه .
2-ان مشروع خلافة اسلامية على امتداد العالم  لم يعد عقلانيا ولا ممكنا في ظل اوضاع تتمسك فيه الشعوب الاسلامية بقومياتها  وتختلف مع بعضها على ما هو اقل من المشاركة وعلى الحدود والحقوق
3- لا يمكن في ظل عدم  توازن القوى بين الارهاب الابن لادني ودول العالم من اسلامية وغيرها  ان  يحقق هذا المشروع اي نجاح وسيتم قمعه  ومنع تمركزه في اي مكان في العالم وان استغرق ذلك زمنا طويلا .
4- انزل المشروع الجهادي الاذى  بمسلمي العالم في مناطق تواجدهم في دول العالم ووضعهم في حالة الشك بمواطنتهم  وطرد بعضهم  ونشأ الشعو ر لدى الاخرين بانهم  كلهم  اعداء التطور الحضاري
وتحميل المتنورين والمعتدلين منهم  مخا طر لم يرغبوا فيها ولا ارادوها.
5- تسببوا في تصاعد التيارات الدينية المسيحية  والقوميات الاوربية في مناطق الاحتلال العثماني
 وكانت هذه التيارات مهزومة وشبه منتهية  بسبب العلم والديمقراطية  و يهدف هولاء الى اعادة
العمل  بصدام الحضارات على اسس الاختلاف الديني بعد ان  وضعها  عصر  النهضة في المتاحف .  
6- تسببوا في اعادة  الاحتلال الاجنبي لبلاد العرب والاسلام تحت شعار  القضاء على الارهاب فاحتل الاميركيون افغانستان والعراق   وليبيا  ومناطق عديدة في  افريقيا  وزاد نفوذ الاجانب وتدخلهم في كل الدول العربية  والاسلامية بشكل  اقل من الاستعمار قليلا .
7- لم يتمكن  اصحاب مشروع الجهاد بالعنف ان يكسبوا الانصار ولا   تزال جبهة التبشير الاسلامي بالاقناع وعمل الخير والجمعيات  صامدة ولم تستسلم لمفهوم جهادي قديم لم تعد الحاجة اليه ضرورية مع توفر  اشكال  تبشير عقلاني ثبت  نجاحها الكاسح .
 مشروع خلافة ابن لادن في افغانستان  والتي  آلت للظواهري واجهه مشروع خلافة اسلامية في العراق وسورية تحت اسم داعش  وآلت للبغدادي وخالفت  هذا  خلافة اسلامية في الشام للجولاني مما يدل على التنافس ولا يعبر عن قيام حالة طاعة موحدة ووجود اكثر من مئتي فصيل اسلامي في الحرب السورية دليل على ان مشروع توحيد هذه الفصائل مستحيل على مستوى  سورية فكيف على مستوى العالم ؟
  فكرة التبشير بالاسلام بالفتح والعنف التي كانت ناجحة في القرن السادس الميلادي لم تعد صالحة في القرن الواحد والعشرين ومن يريد اعادة دورة التاريخ الى الوراء  وينظر الى المستقبل بآليات الماضي سوف يفشل   ليس لان العالم الاخر ضده بل ايضا لان اجماع المسلمين  عليه لم يتوفر بل كان الضد وتسبب في اذى كبير فهل ما يزال هناك من  يعتقد بنجاح التبشير بالاسلام بالعنف بديلا عن جهاد اسلامي بالعقل وفعل الخير
ام ترانا سنواجه الحالة التي ذكرها  نجيب محفوظ حين قال  اذا استمر صعود التيارات المتخلفة  فسوف يأتي السواح الى بلادنا لا ليتفرجوا على  آثارنا بل ليتفرجوا علينا  كبشر يعيشون خارج  الحضارة والتاريخ   )  اي كما  في قصة  اهل الكهف  في القرآن الكريم.
و هذا هو السؤال …؟
25-8-2016



المصدر: المحامي ادوار حشوة : الاسلام من الانتشار بالعنف الى الانتشار بالعقل

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك