أبريل 26, 2024

كلنا شركاء: عائد عميرة- نون بوست
لسنتين بقي الحديث عن وجود مقاتلين تونسيين ضمن المليشيات الداعمة لنظام بشار الأسد في سوريا مجرد تخمينات ليس إلا، في ظل رفض رسمي للتطرق لهذا الموضوع، إلى أن أكدت وكالة الأنباء الرسمية في تونس هذه التخمينات، الأسبوع الماضي، بعد أن أكدت موفدة الوكالة إلى سوريا وجود مسلحين تونسيين يقاتلون إلى جانب جيش النظام السوري ضمن ما يعرف بـ”الحرس القومي العربي” (ميليشيا مسلحة).
كتيبة “الشهيد محمد البراهمي”
في كتيبة مسلحة تحمل اسم “الشهيد محمد البراهمي”، نسبة للمعارض التونسي (قومي ناصري) محمد البراهمي الذي اغتيل في 25 من يوليو 2013 من قبل مجموعة مسلحة أمام منزله، يقاتل عشرات التونسيين الحاملين للفكر القومي إلى جانب النظام السوري وباقي حلفائه، في حربه المفتوحة التي شنها على السوريين المطالبين بالتغيير والتحول السياسي الديمقراطي، بعد أن استطاع النظام إغراءهم لينضموا إلى مليشيات ترفع شعارات القومية العربية وتقاتل إلى جانبه. 
فبعد أن كانت مساندة بشار الأسد ودعم نظامه ضد الثورة السورية التي انطلقت في مارس 2011، من خلال الفضاء الافتراضي ووسائل الإعلام وتنظيم الندوات والتظاهرات في البداية، تتحول المساندة الآن إلى حمل السلاح والتوجه إلى سوريا والقتال بجانب نظام اتهم بارتكاب جرائم حرب وإبادة لمئات الآلاف من المدنيين السوريين العزل.

أحد مقاتلي التنظيم 

وأكد المسؤول السياسي للحرس القومي العربي باسل خراط، للوكالة التونسية، في أعقاب زيارة قام بها وفد إعلامي تونسي للأراضي السورية، وجود شباب تونسيين ضمن الحرس، ومنذ انطلاق الثورة السورية في مارس 2011 المطالبة بالتغيير والتحول السياسي الديمقراطي، عمل نظام بشار الأسد على تشكيل مليشيات تقاتل السوريين إلى جانب القوات النظامية والمليشيات الطائفية متعددة الأسماء والجنسيات.
نفي وتأكيد المساندة والدعم
رغم نفي حزب محمد البراهمي، التيار الشعبي، صلتهم بهذا اللواء المقاتل ضمن مليشيا “الحرس القومي العربي”، بعد توجه الاتهامات إليهم، فإن القائمين على الحزب ما فتئوا يؤكدون دعمهم النظام السوري وما يعتبرونه “حربًا على الجماعات التكفيرية”، ومساندتهم لكل بندقية تقاتل بجانب النظام.
وعقب هذه الأخبار التي تفيد مشاركة تونسيين بصفة سرية في الحرب مع مليشيات النظام، طالبت قيادات من حركة النهضة، القضاء بفتح تحقيق في هذا الغرض.
وكان رئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري أول من دعا لفتح تحقيق عن هذه الكتيبة، معتبرًا أن تسفير تونسيين بطرق سرية وغير شرعية إلى بؤر التوتر – وعلى رأسها سوريا – مهما كانت الجهة التي ينضمون لها “عمل إجرامي ومس بالأمن”، ومؤخرًا تم إعلان تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في شبكات تسفير الشباب إلى بؤر الاضطرابات. 
كل حامل سلاح من غير الأمنيين والجيش “خطر على تونس”
يرفض عديد من التونسيين التحاق تونسيين بجبهات القتال في أي بقعة من العالم خارج إطار الدولة، ويعتبرون ذلك خطرًا عليهم، وفي هذا الشأن تقول المديرة التنفيذية للمعھد العربي للديمقراطية بتونس (مؤسسة غير حكومية)، سناء مدللة بنضو لنون بوست: “نعتبر أي حامل للسلاح من غير الأمنين والجیش خطرًا علینا”.
وأضافت بنضو: “مھما کانت التسمیة (في إشارة لاسم محمد البراهمي) أو الھدف، علی الدولة أن تطبق القانون علی كل من یحمل سلاح وینتمی إلی مجموعة مسلحة سواء كانت داخل البلاد أو خارجھا، فاستقرار تونس النسبي بالمقارنة مع باقی الدول التي شملھا الحراك الشعبي المطالب بالديمقراطية ھو لسياسة الدولة وتقنینھا لامتلاك السلاح”.
 وأكدت سناء في حديثها لنون ضرورة قيام الدولة بالتحريات اللازمة لمعرفة حقيقة وجود ھذہ الجماعات وغیرھا من التونسيین في سوریا وکیفیة انضمامھم لجماعات مقاتلة لأن “هؤلاء يمثلون خطرًا على تونس بصفة مباشرۃ وغیر مباشرۃ”، حسب قولها.
من جهته، قال محمد إقبال بن رجب رئيس جمعية إنقاذ التونسيين العالقين في الخارج في تصريح لنون بوست: “نحن ضد توجه شباب تونس إلى القتال مع أي طرف كان”، وأضاف: “رغم عدم امتلاكنا لمعلومات كافية في هذا الشأن فإننا سنحارب هؤلاء المقاتلين إن ثبت قتالهم في سوريا وعلى الدولة التحرك لأن حمل السلاح للدفاع عن فكرة يشكل خطرًا على المجتمع، فالتطرف يمكن أن يكون أيديولوجيًا أيضًا”.
وكان وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني، قد أكد مؤخرًا أن عودة المقاتلين التونسيين تمثل تهديدًا للأمن القومي باعتبار احتمال إقدام هؤلاء على تنفيذ مخططات إرهابية تستهدف أمن الدولة المدنية الديمقراطية ومسار الانتقال الديمقراطي وأركان المجتمع ومنظومته القيمية.
كيف ستتعامل الدولة معهم؟
في الوقت الذي كرست فيه الدولة وعديد من الأحزاب والمنظمات كل طاقتها للحديث عن الاستراتيجيات المتبعة للتصدي لخطر المقاتلين التونسيين في صفوف الجماعات المسلحة في سوريا، وانطباق قانون مكافحة الإرهاب على التونسيين المقاتلين بجانب الأسد أيضًا، فإن السلطات التونسية لم تتحدث مطلقًا عن طريقة تعاملها معهم إلى الآن، ولم تعلن عن تتبعات قضائية تجاههم بما في ذلك العائدين منهم على غرار المقاتلين في صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وكان وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، قد نفى، الإثنين الماضي، علمه بوجود تونسيين يقاتلون إلى جانب النظام السوري، رغم تأكيده وجود تعاون وتنسيق كبير بين بلاده والسلطات السورية.
وقبل نحو 3 أسابيع، سافر وفد إعلامي إلى العاصمة دمشق لتأكيد وقوفهم إلى جانب النظام في حربه على “الإرهاب”، الأمر الذي خلف ردود فعل متباينة.
من جهته، أكد الباحث في وحدة الإرهاب والتهريب بمركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية التابع لوزارة التعليم العالي في تونس سامي براهم، وجود محاولات يائسة لاستثناء فئة من التونسيين تقاتل خارج البلد ودون تفويض من الدولة من طائلة القانون، بخلق وضع استثنائي يتعلق باعتبارات سياسية لا قانونية”، واعتبر براهم أن استثناء فئة من الذين ارتكبوا جرائم خارج البلد أو يشتبه في ارتكابهم جرائم من المتابعة الأمنية والقضائية لاعتبارات سياسية يُعَد لو وقع تصرفًا خطيرًا من طرف الدولة لأنه كيل بمكيالين يميز بين من يشملهم القانون ويضفي المشروعية على الإرهاب”.
ويعتبر التحاق تونسيين بجبهات القتال والجماعات المسلحة خارج البعثات العسكرية الرسمية ودون علم من الدولة ومسكهم للسلاح والتدريب عليه عملاً إجراميًا يعاقب عليه القانون التونسي، إلا أنه لم يسبق لوزارة الداخلية التونسية أن أعلنت إلقاء القبض على “قوميين قاتلوا إلى جانب قوات الأسد”.
ومنذ شهر فبراير 2012، قطعت العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا، حيث اتخذت حكومة الترويكا التي قادتها حركة النهضة وقتها، قرارًا بطرد السفير السوري في تونس، فيما أعلن الرئيس السابق منصف المرزوقي سحب بلاده اعترافها بشرعية حكم نظام بشار الأسد.
بداية نشأة الميليشيا
بعد المؤتمر الناصري العام في دورته التاسعة، الذي أقيم في تونس للمرة الأولى في السابع من سبتمبر 2012 باستضافة من حركة الشعب وجمعية الوحدويين الناصريين (مؤسسات تونسية خاضعة للقانون وتحمل التوجه الناصري والقومي العروبي)، بدأ العمل على تشكيل الكتائب العسكرية القتالية لتلك المليشيا التي تعتمد المرجعية الناصرية (نسبة إلى جمال عبد الناصر)، في لبنان وبالتحديد مدينة صيدا الجنوبية بدعم وتنسيق مع مليشيا حزب الله اللبناني ويعود أول وجود عسكري لها في سوريا إلى أبريل 2013.
وتعتبر مليشيا “الحرس القومي العربي”، ذات التوجه القومي من أكبر المليشيات المسلحة المساندة لنظام بشار الأسد بعد الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني ومليشيات الدفاع الوطني، ولهذه المليشيا قيادة خاصة وهيئة تنظيمية داخلية، توجه مباشرة من ضباط في المخابرات الجوية، ويرأسها المدعو أسعد حمود، الملقب بـ “الحاج ذو الفقار” (قيادي قومي لبناني)، وتتخذ من العاصمة دمشق مقرًا لقيادتها المركزية، حسب عديد من التقارير.
وينقسم “الحرس القومي العربي” إلى 4 مجموعات عسكرية، تحمل أسماء رموز قومية، وهي “كتيبة وديع حداد” نسبة إلى قائد العمليات الخارجية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي اغتيل في ألمانيا سنة 1978، و”كتيبة حيدر العاملي” نسبة إلى حسين أسعد حمود عضو تجمع اللجان والروابط الشعبية الشيعية والناطق باسم قوات جبل عامل التي تشكلت في جنوب لبنان في الثمانينيات، و”كتيبة الشهيد محمد البراهمي” نسبة إلى رئيس التيار الشعبي والقيادي الناصري في تونس والذي قتل على يد مجموعة مسلحة في تونس في عام 2013، و”كتيبة الشهيد جول جمال” الضابط العربي السوري الذي قتل في مصر خلال العدوان الثلاثي.
استعراض عسكري لمقاتلي التنظيم 
وتشير تقارير إعلامية إلى امتلاك هذا التنظيم، مقاتلين عرب ينتمون لدول الجزائر وتونس ولبنان ومصر وفلسطين والعراق والأردن ودول أخرى، خضعوا لدورات تدريب عسكري وتساندهم على الميدان عناصر إشراف من حزب الله اللبناني، وشارك التنظيم في معظم معارك جيش النظام في مختلف مناطق سوريا، من بينها القصير في ريف حمص ومعركة يبرود في القلمون بريف دمشق وفي أحياء دمشق الجنوبية “معركة السبينة وحجيرة” ومعارك حي جوبر ومعارك حي برزة وفي الغوطة الشرقية “المليحة” والغوطة الغربية “داريا ودنون والمعضمية” وفي معارك ريفي درعا والقنيطرة مع تمركز دائم بريف دمشق.
ويعلن هذا الحرس أنه يسعى إلى الوحدة العربية والاشتراكية، وأنه منبثق من منظمة الشباب القومي العربي، وهي إحدى أجنحة رابطة القوميين العرب، وتقدر تقارير إعلامية عدد مقاتلي مليشيا الحرس القومي العربي بنحو الألفين، وساهمت الأحزاب الناصرية والقومية خاصة في مصر ولبنان في تجنيدهم، وتظهر صور عدة متداولة عناصر وقيادات في التنظيم ترتدي قمصانًا سوداء عليها شعار الهلالين الأحمر والأخضر ويتوسطهما حرف الضاد، وهو الشعار نفسه لمنظمة الشباب القومي العربي.
ذراع إيران وحزب الله
وفي الوقت الذي أكد فيه المسؤول السياسي لمليشيا الحرس القومي العربي عملهم تحت قيادة جيش النظام، فإن عديد من التقارير الإعلامية أكدت تلقي هذه المليشيا الدعم والتمويل من قيادات في الحرس الثوري الإيراني وقيادات في حزب الله اللبناني.
وتشير بعض التقارير إلى تحول هذه المجموعة المسلحة إلى أحد الأذرع الإيرانية لقتل السوريين، لا سيما أنها تتلقى تمويلاً من الحرس الثوري الإيراني، ويتزعمها أحد قادة حزب الله الميدانيين، كما أن مقاتليها خضعوا لتدريب تحت إشراف ضباط إيرانيين.
ومنذ بدء الثورة السورية في منتصف مارس من عام 2011، اصطفت تيارات وأحزاب محسوبة على التيار القومي العربي لا سيما المرتبطة بحزب البعث والتي كانت تتلقى تمويلاً من النظام قبل الثورة، إلى جانبه في حربه المفتوحة التي شنها على السوريين.


المصدر: القصة الكاملة لقتال تونسيين قوميين ضمن مليشيات تابعة لنظام بشار الأسد

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك