أبريل 26, 2024

العميد الركن أحمد رحال: كلنا شركاء
لا أحد ينكر مدى حالة الضعف التي تعاني منها مفاصل الثورة السورية حالياً وعبر شقيها العسكري والسياسي, وإن كان الجانب العسكري يحاول تجميع شتات قوته عبر اندماج لعدة فصائل للمحافظة قدر الإمكان على مواقعه ومكانته, فإن الشق السياسي للثورة غائب تماماً ولا يملك القدرة حتى على المحاولة بعد أن استهان بثورة شعبه خدمة لمشغليه فاستهان به العالم.
خسارة مدينة حلب عرت أوراق الجميع من صديق وعدو, عرت أوراق إيران الباحثة عن تصدير نهج الخميني ولو على حساب الدم العربي, وكشفت أوراق إيران الطائفية وحربها المذهبية, وفضحت أجندات كل الميليشيات التي أدخلتها لسورية بدءاً بحزب الله امتداداً لكل الميليشيات العراقية وصولاً للأفغان والباكستانيين, فالكل يقاتل بأجندة دينية ويعتبر قتل “سنة” بلاد الشام هو الوقود الذي يخرج مسردبهم المنتظر. فأحد قادة فصيل “كتائب علي” قال: حربنا في حلب حرب عقائدية, و”نوري المالكي” نائب الرئيس العراقي قال: في بلاد الشام نحن نقاتل أحفاد معاوية.
روسيا التي تتباهى اليوم أنها اختبرت (160) نوعاً من الأسلحة الجديدة في سورية, لكنها نسيت أن تقول أنها جعلت من الشعب السوري حقول تدريب بعد أن فتح “بشار الأسد” حدود سورية لكل القتلة والمحتلين مقابل احتفاظه بخازوق السلطة, وروسيا التي استثمرت في سورية ليس فقط من أجل اختبار أسلحتها بل استثمرت بمشاكلها مع الغرب وجعلت الدم السوري ساحة ضغط على الغرب لمقايضته بما يريد “بوتين” في شبه جزيرة القرم وأوكرايينا والدرع الصاروخي والعقوبات الاقتصادية على “موسكو”.
أصدقاء الشعب السوري أو كما يسميهم البعض “أعدقاء الثورة”, يبدو أن التعب أصابهم أو أن الضغوط الخارجية وصلت لمبتغاها, فقدسية حلب ومكانتها والدماء التي سالت فيها وكل الغطرسة الإيرانية والمجازر الروسية هناك لم تشفع لمدينة حلب ولأهالي حلب عند أصدقائهم بل تركوها وحيدة مع مجرمين قتلة استباحوا حتى دماء الأطفال والنساء والشيوخ, وأثبت أصدقاء “الأسد” للمرة الألف خلال سنوات الثورة أنهم أصدقاء فعل, وأن أصدقاء الثورة هم أصدقاء تصريحات وبطولات على منصات الخطابة.
الولايات المتحدة الأمريكية التي غنت وتغنت بالثورة السورية وأعطت من الوعود ما يكفي لأن يجعل الشعب السوري يعتقد أن “بشار الأسد” انتهى, وان المسألة مسألة وقت وتعداد فقط للحظات المتبقية من عمر “الأسد” بالسلطة, تلك الوعود التي انخدعت فيها قامات المعارضة والمعول عليها ببعد النظر وحٌسن قراءة الأحداث وبخبرتها في قراءة مفاتيح وخفايا السياسات الدولية, لكن تبين أنهم أغبى من عليها واتضح جلياً أنهم يعانون من أمية بالقراءة والكتابة (السياسية) معاً, لكن كل الخداع الذي تعرضت له تلك القيادات السياسية للثورة وبدل التنحي والاعتراف بالأخطاء التي ارتكبوها, بدأ هؤلاء بممارسة الخداع على جمهور الثورة الذي كشف اللعبة مبكراً وكان صاحب الرؤية الأوضح عندما أطلق صيحته منذ البداية قائلاً: يا الله مالنا غيرك يا الله.
القيادات العسكرية (الثورية) والسياسية التي أوصلت الثورة إلى الحالة المأساوية التي نعيشها الآن ينطبق عليها جميعاً مقولة: (أن في المقابر أٌناس ظنوا أن الحياة لن تسير بدونهم), هؤلاء الذين تنطعوا لسدة القيادات واستولوا على مقاليد الدفة فكان معظمهم خير خدم لنظام “الأسد” بسوء أدائهم وبعنجهية خطابهم وبفداحة أخطائهم, وبدل أن يقودوا سفينة الثورة إلى بر الأمان أوصلوها إلى موانئ التهلكة وبدل أن يزيدوا من أصدقاء الثورة أصبحوا وحيدين إلا من دول لا يزيد تعدادها عن أصابع اليد الواحدة ما زالت تحاول ولكن جهودها لم تثمر, لسان الحال يقول: لا يمكن أن تنتصر على نظام “الأسد” وأنت تمارس سياسته وأخطائه, فقائد اللواء أو الكتيبة أو الفرقة أو الجيش في الثورة أصبحت القيادة عنده بالوراثة فإن مات كان ابنه من بعده أو أخوه أو ابن عمه, والائتلاف الوطني مضت أربع سنوات على وجوده وبلا أي إنتاج أو انجازات ويستمر ممسكاً بالسلطة ولم يبق إلا أن يخرج علينا بشعار: الائتلاف إلى الأبد.
تلك المقدمات وهذا الواقع يقود إلى تلك النتائج التي نراها الآن, روسيا الآن تٌحدد من تٌفاوض, وتٌحدد من يٌدعى, وتٌحدد من هو الإرهابي, وتٌحدد من يذهب للآستانة, وتٌحدد من يجلس على الطاولة, وبقي أن تٌحدد أصناف الطعام التي يجب أن نأكلها وأين ننام.
الاجتماعات التي حدثت في “أنقرة” بشكل مباشر أو غير مباشر وستستكمل يوم الخميس (اليوم) هي أكبر كارثة ستحل بالثورة السورية إن لم نحسن اقتناص الفرصة, فهي تٌعطي صورة واضحة عن مدى الاختراق الذي أحدثته روسيا بقيادة الثورة السورية عسكرياً وسياسياً, وبدل أن يكون هناك الجسم السياسي وصاحب الخبرة والمعرفة في فن التفاوض وفن الحصول على المكتسبات السياسية وفن الربط بين العسكرة والسياسية, نجد أن الروس استفردوا بالقيادات العسكرية وأصبح “عمر الرحمون” وسيطاً, وأصبحت الاجتماعات تحصل وببعد كامل عن أي تنسيق وأي معرفة من (رجال) القيادات السياسية الذين باتوا يلتقطون أخبارهم عن تلك الاجتماعات من الإعلام للتعليق عليها عبر الفضائيات, لكن تبقى نقطة تشفع للفصائل المشاركة بالتفاوض وهي مدى قدرتها على التوصل لوقف نزيف الدم وحقن دماء السوريين وهو أمر يحسب لهم إذا ما تم استثمار اللحظة والوصول لوقف شامل لإطلاق النار لا يمس أولويات الثورة ولا يتجاوز مبادئ الحل السياسي الرافض لأي وجود “للأسد” في مستقبل سورية, واشتراطها عدم استثناء أي منطقة من وقف إطلاق النار وضرورة اشتراك الهيئة التفاوضية في المباحثات السياسية هي نقطة أخرى تحسب للمفاوضين العسكريين بعدم التغريد بعيداً عن السرب.
لكن, علينا أن نقرأ اجتماعات الآستانة على حقيقتها, بأن من رتبها هم الروس وهم أعداء, ومن وضب أوراقها وصاغ بنودها هم الإيرانيون وهم أعداء أيضاً, وأن حضور الصديق التركي كان بحكم الأمر الواقع وأن وجوده لن يخفف من حجم المأساة التي ستحصل باجتماعاتها.
تصريحات الهيئة التفاوضية من الرياض وجدة وباريس لا تكفي, والخطابات الخشبية لبعض أعضاء الائتلاف لن تغير من الواقع المؤلم الذي حاق بالثورة, والتشرذم الحاصل الآن هو نتيجة أخطاء متراكمة ببنية الائتلاف والهيئة التفاوضية, فعندما تم بناء الهيئة التفاوضية وبناء الجسم العسكري قلنا أن الاعتماد على “شلة أولاد” إرضاءً للدولة الفلانية وسواها هو أمر خاطئ ولا محاباة ولا مجاملات في قضايا الشعوب, والآن وصلنا إلى ما حذرنا منه, ووصلنا إلى تلك الحالة من التفرد والإقصاء حتى للهيئة التفاوضية إن لم يكن من قبل فصائل الثورة فهو قادم من الجهات الدولية.
بكل الأحوال الثورة مستمرة, بقلوب شعب سورية الحر مستمرة, وبآهات أمهات الشهداء وأطفالهم مستمرة, وبعذابات المهجرين والنازحين مستمرة, وبأنين المعتقلين والمغيبين, والشعب السوري الحر لن يكل ولن يمل حتى وصوله لما خرج من أجله, وما زال ينتظر …
ما زال ينتظر المشروع الاستراتيجي والخطة الجهنمية للرئيس المبجل للائتلاف التي أتحفنا بها منذ أسبوعين وبمؤتمر خطابي أحسسنا به أننا أصبحنا على أبواب دمشق فاتحين.
وما زلنا ننتظر الوعود التي أطلقتها الهيئة التفاوضية المنتهية الصلاحية بعد مرور عام على تكوينها.
لكن أسوأ انتظار هو انتظار الشعب السوري الحر, الذي وثق بكم فتركتموه لخيار واحد فقط .. أن يختار كيف يموت؟؟؟
فهل تتغير المعطيات وتتغير المسارات؟؟؟
زيارة رئيس الاستخبارات الروسية لدمشق والطلب من “بشار الأسد” التنحي لم تتأكد بعد !!!
فإن كانت فهناك كلام آخر يٌقال … وقد يجعلنا نعيد ترتيب الأوراق ونعيد أيضاً ترتيب الأصدقاء.
العميد الركن أحمد رحال
محلل عسكري واستراتيجي



المصدر: العميد الركن أحمد رحال:  روسيا لبشار الأسد.. (عليك أن ترحل)

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك