مايو 16, 2024

العميد الركن أحمد رحال: كلنا شركاء
عندما يقول الكاتب والصحفي الروسي المعارض “أليكساندر كوشنار” لإذاعة “صوت أمريكا”:(إن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” يريد إبقاء حرب دائمة في سورية لأنها الوسيلة الوحيدة التي تفك عنه طوق العزلة والاحتقار التي تعرض لها في قمة العشرين في “بريزبان”, وأن “بوتين” يريد إبقاء الشعب السوري رهينة عنده لأن أي تخلي عن رأس “الأسد” تعني خسارة والخسارة تعني تقديمه مع شريكه “الأسد” لاحقاً لمحكمة لاهاي الدولية نظراً للملفات الضخمة من جرائم الحرب التي ارتكبوها ضد الشعب السوري والتي تنتظر فقط الإذن الأمريكي بفتحها لسوقهم للمحاكمة أو ينتظر “بوتين” منفرداً قتله في روسيا).
أمام هذا الكلام تتضح صورة وأجندة وخطط القيادة الروسية التي يقودها رجل واحد يسانده جهاز الـ”كي جي بي” كما عهدنا سلطات أمناء الحزب الشيوعي على مدار عقود طوال من القرن الماضي, تلك الخطة التي تستهدف الاستثمار في الدماء السورية من أجل أهداف روسية سياسية وعسكرية, وخطط توسعية ونفوذ تنشده “موسكو” ويحققه لها نظام “الأسد” الذي تخلى عن كل كرامة السوريين وقدسية تراب وطنهم بعد أن حج إلى “موسكو” على متن طائرة شحن عفنة وسلم مفاتيح البلاد لجلاد لا يقل إجراماً عن حكم آل “الأسد”.
في الداخل الروسي إعلام “بوتين” يٌخبر الشعب أنه ذاهب إلى سورية لقتال تنظيم الدولة الإسلامية منعاً من وصول الإرهاب لبلادهم, وأنه لا توجد هناك أي ثورة بل مجموعة “دواعش” إسلاميين, وبالتالي فإن كل من يتحدث في روسيا عن ثورة شعبية في سورية هو عميل أمريكي, أما عن الخسائر الروسية في سورية والذين تم تقليدهم أوسمة الأبطال وصرفت لهم تعويضات من الحكومة فهم فقط (14) مقاتل تم الاعتراف بهم, بينما تم التغاضي عن أكثر من (600) مقاتل روسي قتلوا في ساحات المعارك السورية وأرسلتهم الشركات الروسية الخاصة التي تعمل بأوامر مخابراتهم والتي تقوم بتجنيد العاطلين عن العمل وإرسالهم إلى سورية كمرتزقة للقتل على نفقة وزارة الدفاع والمخابرات الروسية.
من هذا المنطلق وجدنا الطائرات الروسية التي شكلت غطاءاً جوياً منقطع النظير لكل المرتزقة الذين استقدمهم “بشار الأسد” لقتل الشعب السوري يسعون جاهدين لحصار حلب وقطع طريق “الكاستيللو”, وبتحقيق هذا الانجاز يخرج وزير الدفاع الروسي “شويغو” بنفسه ليعلن عن حصار المدينة ووضع بوابات خروج وممرات آمنة للاستسلام, والرد الذي تلقاه من فصائل الثورة السورية التي حطمت خطوط ميليشيات إيران وحزب الله وعصابات الأسد وفكت الحصار عن الأحياء الشرقية من مدينة حلب, تلك العملية التي قد يكون من ضمن إنجازاتها أنها أطاحت بالهيبة الروسية ووضعتها تحت الأقدام, مما دفع بالقيصر الروسي إلى إعادة ترتيب أوراقه عبر غرفة قيادة عملياته في قاعدة “حميميم” وليصدر أمراً عملياتياً مقتضباً: يجب إعادة حصار حلب مهما كانت الدماء المراقة.
بالتأكيد فصائل الثورة في الجبهة الجنوبية لحلب والتي قٌطعت عنها كل خطوط الإمداد (حتى من أقرب المقربين) وتوقفت معظم سيالتها القتالية, بالتأكيد لم تعد قادرة على البقاء في منطقة السفيرة ومنطقة الكليات العسكرية بعد جهد جوي روسي أباد أرض المعركة بعد أن اتبع سياسة الأرض المحروقة, مع تجهيز ميليشيات أرضية ضخمة استدعت الزج بمعظم الاحتياطات الإيرانية والأسدية ومع كل ما يمكن استقدامه من ميليشيات لحزب الله والمرتزقة الطائفية “الشيعية” من الأفغان والباكستان والعراقيين, وتحت هذا الضغط عاد الحصار ليفرض على أكثر من (400) ألف مواطن حلبي تحقيقاً لأوامر “بوتين”.
دخول الأتراك على المنطقة الشمالية لم يكن بعيداً عن التوافقات مع “طهران” و”موسكو”و”واشنطن” ولم تشكل عملية “درع الفرات” أي ضغط على تلك العواصم طالما أن العملية موجهة لقتال تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”, لكن مع اقتراب المواجهة من حليفهم الكوردي المتمثل بمليشيات “قوات سورية الديموقراطية”, وجدنا الأصوات قد بدأت بالضجيج والانتقاد مما اضطر القيادة العسكرية التركية إلى تجميد القتال جنوب “جرابلس” باتجاه “منبج” على ضفاف نهر “الساجور” والتوجه غرباً نحو بلدة “الراعي” لقتال “داعش” فقط, وبالتالي “موسكو” تعتبر  أن كل تلك العملية من ضمن أجندتها وتوافقاتها ومن ضمن الحصص التي يوزعها “القيصر” ومعها تصبح عملية “درع الفرات” حصة روسية منحتها “موسكو” لـ”أنقرة” وقد تكون المنطقة الآمنة من ضمن تلك التوافقات.
الأطماع الروسية والنظرة التوسعية لاستعادة النفوذ السوفييتي السابق لم يغب عن خطط “بوتين” وهي تنتقل لجغرافيا أبعد من الجغرافية السورية وتصل إلى القارة الإفريقية, فالمعلومات المنقولة من موانئ الشحن الروسية ومستودعات قواعدها العسكرية تقول أنه ابتداءً من شهر أيار (الماضي) ولغاية شهر أيلول(الحالي)  كان هناك تكثيف كبير في نقل الشحنات العسكرية والأسلحة من موانئ الشحن في “روسيا” ووصول الكثير منها إلى الموانئ المصرية وهناك مؤشرات تقول أن “روسيا” تجهز معدات وقوات خاصة للتدخل العسكري في “ليبيا” بالتعاون مع قوات “مصرية” بذريعة محاربة الإرهاب.
والمعلومات تؤكد أن “روسيا” تغذي الصراعات في المشرق العربي وشمال إفريقيا لإجبار أوروبا وأمريكا على التعاون معها لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط, فـ روسيا تتطلع للعودة إلى أعوام مماثلة مع مصر كما كانت بين عامي 1954 و1970, وأن تأخذ مكان الولايات المتحدة الأمريكية في مصر وبعض التقارير تؤكد أن جولات من المباحثات تجري الآن بين المصريين والروس للإعداد لمناورات ضخمة بين القوى الجوية وقوات الانتشار السريع الروسية والجيش المصري, وفي 25-08-2016 كان هناك لقاء بين مسؤولين مصريين والقيادة العسكرية الروسية عن كيفية تأمين احتياجات الجيش في حال تم نشر قوات روسية في مصر.
المعلومات من داخل الجيش الروسي تؤكد أن قيادة الجيش الروسي فرضت تدريس اللغة الانكليزية على جنود قواتها الخاصة تنفيذاً لأوامر القيصر “بوتين”, مما يدلل على تحضيرها لعمليات خارج روسيا, وروسيا تتحدث عن ضرورة استقرار الوضع في سيناء لكن عيونها على ليبيا التي تشعر أنها خسرتها بخدعة أمريكية وبالتالي فكل تعاونها مع مصر منصب لكيفية تأمين قواتها لوجيستياً إذا ما كان هناك تدخل في ليبيا في منطقتي مصراطة وسرت اللتان تبعدان حوالي (900) كم عن مصر, والتحركات الروسية في القارة الإفريقية ليست وليدة اللحظة بل تمتد للعام الماضي حيث كانت هناك زيارة لبعض الضباط الروس لقاعدة طبرق والبقاء هناك لمدة أسبوع (في آذار 2015) حيث طبعت روسيا مبلغ (4) مليارات دينار “ليبي” وقدمتها دعماً لحكومة طبرق حينها ضد حكومة “طرابلس”, وفي حزيران 2016 زار خليفة حفتر موسكو بعد زيارته لمصر مباشرة, والتدخل الروسي في ليبيا إذا ما تم سيكون بنقل دورها أمام للعالم من داعمة لبشار الأسد إلى محاربة داعش في كامل المنطقة ولتقدم نفسها على أنها تعيد الاستقرار لمنطقة خربتها أمريكا وتسعى لشريك أوروبي بتلك المهمة للقول أن روسيا ليست معزولة دولياً.
تلك هي الأجندات التي يعمل عليها بوتين للتخلص من تبعات تقسيمه لأوكرايينا وسيطرته على شبه جزيرة القرم وقتله الشعب السوري, وتلك هي خططه للتخلص من تبعات العقوبات الاقتصادية التي فرضها الأوروبيون وكبلت الاقتصاد الروسي, لكن الأهم بكل تلك الخطط أن الدماء السورية هي التي تقدم قرابيناً وأٌضحيات للوصول إلى تلك الأميات البوتينية.
المقلق بالأمر أن كل دوائر القرار الغربي والأمريكي بشكل خاص على إطلاع تام على كل تلك السيناريوهات التي تتبعها “موسكو” للوصول إلى أهدافها ومع ذلك تلتزم الصمت وتلتزم الابتعاد المخزي عن اتخاذ أي قرار يمكن أن يوقف شلال الدم الذي تريقه عصابات “الأسد” و”بوتين” من شرايين الشعب السوري.
تلك هي خطط “بوتين” … ماذا أنتم فاعلون؟؟؟
وكم من دمائنا تريدون ثمناً لرأس بشار؟؟؟
لكن تذكروا: أن النار المشتعلة في قلوب السوريين وضمن جدران وطنهم وإذا ما استمرت فلن توقفها أي حدود …
فهل من عاقل يوقف تمددها أم نشاهد احتراق الجميع؟؟؟
العميد الركن أحمد رحال
محلل عسكري واستراتيجي



المصدر: العميد الركن أحمد رحال: دماء حلب تنصب (بوتين) قيصراً

انشر الموضوع