أبريل 28, 2024

العميد الركن أحمد رحال: كلنا شركاء
تغير المزاج السياسي العالمي وفقدنا الكثير من الدعم الدولي وما زلنا نصر على المتابعة بنفس الخطى, تغير العدو من ميليشيات نظام الأسد إلى عصابات حزب الله إلى ميليشيات ملالي إيران إلى مرتزقة الاحتلال الروسي وما زلنا نقاتل بنفس الأدوات وبنفس التكتيك, اختلت موازين القوى وبدأنا نخسر حتى جزءاً من الحاضنة الشعبية وما زال قادة الفصائل يصرون على التمسك بالقيادة وما زالوا يصرون على المتابعة بنفس التكتيك الذي أثبت فشله قياساً على النتائج التي وصلنا إليها.
في العلم العسكري هناك مبادئ تٌقيم عمل القائد وتضع معياراً لأدائه, ومن أولى تلك المبادئ المعيارية هي “مرونة القيادة”, وتعني قدرة القائد وأركان القيادة على الاستجابة السريعة لمتغيرات الموقف والقدرة على مواكبة تغير المعطيات, والانعطاف بالقيادة لتتلاءم مع المستجدات في مسرح الأعمال القتالية, مع دراسة الظروف المحيطة وإمكانيات العدو وتكتيكه المتبع على ساحات القتال واتخاذ القرارات السريعة وتغيير أساليب وتكتيك الأعمال القتالية وبما يتناسب مع تلك المتغيرات وبما يؤمن استمرار نجاح الأعمال القتالية ويؤمن أيضاً استمرارية سيالة الأوامر والتعليمات بين الرئيس والمرؤوس وبما يخدم الهدف من القتال.
لو أردنا البحث عن مبررات لما حصل سابقاً في جبهات حمص أو القصير أو الغوطة الغربية أو القلمون أو الساحل, وما يحصل الآن في التل والغوطة الشرقية وحلب, لاستطعنا إيجاد الآلاف من المبررات والأعذار, ولو أردنا التحدث بعاطفة بعيداً عن الواقع أيضاً لوجدنا الكثير مما يقال وقد نخرج وفق ذلك أننا منتصرون, لكن إن تعاملنا بهذا الأسلوب نكون كمن يطلق النار على نفسه من حيث لا يدري.
لكن المنطق والواقع والعقل يقول: أنه أمام تضحيات الشعب السوري الذي لم يبخل حتى بدمائه من أجل الثورة, وأمام قدسية الدماء التي سالت في شوارع الحرية سلماً وحرباً, وأمام عظمة المهمة الموكلة على كل فرد تبنى تلك الأمانة سياسياً وعسكرياً, أمام كل ذلك علينا أن نتحلى بالشجاعة ونتحلى بالمصداقية ونتحلى بالجرأة كي نقول: نحن لم نٌحسن التصرف ولم نتبع الطرق الصحيحة لإيصال سفينة الثورة إلى بر الأمان, من حيث المبدأ فلسنا على خطأ لأن ثورتنا محقة وهي ثورة كرامة وثورة حرية, لكن أدواتنا لتحقيق أهدافنا لم تكن صحيحة ولم تحشد المقدرات اللازمة التي تستطيع تحقيق تلك الأهداف التي يتطلع إليها الشعب السوري الحر.
لا أريد العودة إلى بدايات الثورة وكيف استطاع أبطال الثورة من مدنيين وعسكريين من تحطيم جبروت النظام وكيف استطاعوا بالـ”بومبكشن” من اغتنام الدبابات والرشاشات والثكنات بل وأسر شبيحة النظام, والآن ونحن نمتلك الدبابات ونمتلك الصواريخ ونمتلك على الأقل نصف ما يمتلكه العدو ومع ذلك جغرافية الثورة في تراجع وشعبيتنا في تراجع أيضاً, ما السبب؟؟؟
هناك من سيخرج علينا ليقول أن العدو تغير وهذا صحيح وأن أدوات العدو تغيرت مع دخول الاحتلال الروسي وأيضاً هذا صحيح, لكن أيضاً قدراتنا عند مقارعة النظام  مع بداية الثورة كانت أضعف بكثير مما نملكه الآن, وأيضاً كنا نستطيع تغيير تكتيك القتال ونستطيع الزج بكثير من القدرات الكامنة التي حيدناها عن الثورة.
سؤال يفرض وجوده على الجميع: لماذا استطاع الجيش الحر وقبل بروز التنظيمات الجهادية من تحرير أكثر من نصف الجغرافية السورية من يد عصابة الأسد؟ ولماذا الآن نخسر الآن ما حرره الجيش الحر؟
من حيث المبدأ وقبل استلال المدافعين عن تلك التنظيمات لسيوف التكفير والردة أود القول: لا أحد ينكر على بعض تلك التنظيمات شراستها بالقتال, ولا أحد ينكر على بعضها إخلاصها بالعمل, ولا أحد ينكر عليها نصرتها للشعب السوري, لكن:
ألم تصل لقناعاتكم أن المجتمع الغربي وقسم من الدول الإقليمية وحتى العربية قد تراجعت عن دعم الثورة بسبب وجودكم؟؟
ألم تصل لقناعاتكم أن إصراركم على قتل وتنحية الجيش الحر وإبعاد المنشقين من ضباط وصف ضباط وحتى الأفراد قد أضر بالثورة السورية؟؟
الأهم: ألم تصل لقناعاتكم أن أدواتكم وأهدافكم مستحيلة التحقيق في ظل الظروف الدولية والمجتمعية الحالية؟؟؟
ألم يكن الأجدى بكم وبعد شعور الجميع بأن موازين القوى السياسية والعسكرية قد مالت لعصابة الاسد وحلفائه, بأنه حان موعد تغيير الأدوات والتوجهات مع الإصرار على بقاء الأهداف؟؟
لو عدنا للتاريخ وعدنا لقدوتنا رسول الله (ص): عندما بدأ رسولنا الكريم دعوته للإسلام بدأها سراً لشعوره بضعفه وضعف من معه وهو يحمل وحياً ربانياً وليس دنيوياً ومع ذلك كانت دعوته سرية, وعندما افتضح أمره وانكشفت دعوته وخوفاً على دينه رفض القتال والمواجهة وهاجر إلى المدينة المنورة, وهذا تكتيك نبوي لأنه يعلم أن المواجهة في ذلك الوقت ستكون خاسرة, وعندما أصر المشركون على اللحاق به للمدينة المنورة لقتاله ووأد دعوته وهو يدرك بحسه والوحي المنزل له أن معركته خاسرة تحاشى القتال وأقام الخندق.
تلك صورة ومثال عن حكمة الرسول (ص) في الحفاظ على الإمكانيات وعدم خوض معركة خاسرة في غير حينها.
ألم يكن الأجدى بمن حمل راية رسول الله (ص) في الثورة السورية أن يتعلم أنه كما تجنب رسول الله (ص) القتال وتجنب الصدام مع المشركين خشية أن يخسر معركة لم يئن أوانها, كان عليهم عدم وضع الشعب السوري أمام معركة تدعوا لإقامة إمارة وخلافة ودولة إسلامية يرفضها العالم أجمع ويخشاها وكانت سبباً رئيساً في تغير الكثير من المزاج السياسي الدولي اتجاه الثورة, وساهمت من حيث لا ندري بدعم “بروباغاندا” النظام التي يدعيها عبر إعلامه.
بالتأكيد لسنا الآن في طور فتح محاكمات وطرح حسابات, وبالتأكيد المرحلة لا تحتمل الكثير من جلد الذات, لكن بالتأكيد أيضاً وبعد الحال التي وصلنا إليها واحتراماً لهذا الشعب الذي ضحى بكل ما يملك وأمام كل ذلك علينا بتغيير أدوات اللعبة وتغيير أدوات القتال.
أقول محباً وناصحاً ومتألماً على ما نحن فيه, آن الأوان كي نتخلص من كل تلك الرايات بسوادها وبيضها وحٌمرها و زٌرقها والعودة لراية الجيش الحر, علينا بفتح الحدود لعشرات الآلاف من الشباب الذين تم إبعادهم على أنهم كفرة ومرتدين, علينا فتح الأبواب لخبرات الآلاف من الضباط الذين أجبرناهم على الجلوس بالمخيمات كالنساء الثكالى وما هم بذلك, علينا فتح ساحات المعارك لخبرات المنشقين وعلومهم ومعارفهم, وعلينا أن نكون على يقين بأن هذه الثورة للجميع ومعها يحق المشاركة للجميع.
العناد في غير موضعه كفر, والإصرار على المتابعة بنفس الطريقة ونفس الأساليب ونفس التكتيك وبنفس الأدوات يعني مزيداً من الخسائر, مزيداً من الانسحابات, مزيداً من الهزائم, ومزيداً من الموت.
علينا أن نكون على ثقة مطلقة أن الجميع بمركب واحد, سياسياً وعسكرياً, تنظيمات وفصائل, داخلاً وخارجاً, وعلينا أن نبتعد عن كل التصنيفات والمعايير التي تٌحجم من عملنا وتزيدنا فرقة وتشتت, علينا بجمع الطاقات والقدرات, فعدونا جمع كل مرتزقة الأرض لقتلنا, علينا أن نكون أمام حقيقة تقول: توحدوا وهم على كفر وباطل, وتفرقنا ونحن على إيمان وحق.
هي لحظة مفصلية, وانعطافة خطيرة بعمر الثورة, ولا عيب أن نقع أرضاً بل العيب أن نستكين ونبقى جاثمين, راياتنا بإصرار الجميع ستبقى خفاقة, وأمنياتنا بجهود الجميع ستغدو حقيقة, وأهدافنا بتكاتفنا ووحدتنا ستتحقق.
المطلوب فقط: القليل من المراجعة, القليل من الصدق مع الذات, مع تقدير تضحيات الشعب السوري الحر, مع احترام دماء الشهداء التي عطرت تراب سورية, مع الإحساس بآهات المعتقلين والنازحين والمشردين والمهجرين, ثم ننطلق من خلالها لتجميع كل المقدرات والإمكانيات المهدورة داخل وخارج الحدود والعودة لأصالة الثورة التي خرج بها السوريون.
الخيارات تضيق, المساحات تضيق, لكن بوحدة الصف ستبقى قلوب السوريون مفتوحة لتضم الجميع وتحتضن كل من يؤمن بتحقيق أهدافه بعيداً عن طامع بسلطة أو راغب بجاه أو باحث عن مال.
هل نحن على قدر المسؤولية التي وضعها الشعب السوري أمانة في أعناقنا؟؟
هو ما ستفرزه الأيام القادمة, فالوقت حتى الآن ما زال متاحاً ويمكن استدراك ما فات , وإلا (….).
أرجوا ألا نصل لذلك.
العميد الركن أحمد رحال
محلل عسكري واستراتيجي
 اقرأ:
العميد الركن أحمد رحال: حلب عرت أوراقنا … فهل حان موعد الحساب؟؟؟
العميد الركن أحمد رحال: بدماء أبنائها … حلب تكتب تاريخها
العميد الركن أحمد رحال: رسالة الثورة للانتخابات الأمريكية.. لا أسفاً على من رحل
العميد الركن أحمد رحال: حلب (تٌغتصب) … حلب نادت (وااامعتصماه)
العميد الركن أحمد رحال: (بوتين) يهدد … وجيش الفتح يقبل (التحدي)
العميد الركن أحمد رحال: المقاومة الثورية … بركان الثورة القادم
العميد الركن أحمد رحال: إدلب القادمة … أهي غروزني أم غزة؟؟؟
العميد الركن أحمد رحال: صراع الأقوياء على حساب الدماء … لكِ الله يا سورية
العميد الركن أحمد رحال: دماء (حلب) ثمنٌ لتناحر (موسكو) مع (واشنطن)



المصدر: العميد الركن أحمد رحال: خسرنا نصف المحرر وما زلنا نرفض الاعتراف بضرورة التغيير

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك