مارس 28, 2024

العميد الركن أحمد رحال: كلنا شركاء
كان من يٌفترض أن تتعلق أنظار السوريين بمؤتمر جنيف كوسيلة أو فرصة يمكن من خلاله أن تٌفتح نافذة في جدار الحل الذي ما زال يحافظ على جلادته وقساوته ومعه تقريباً تستحيل كل فرص البحث عن أفق حل سياسي أو عسكري يمكن أن يوقف مسلسل القتل والدمار والجريمة عن الشعب السوري, هذا الشعب الذي عانى ويعاني حتى الآن عبر ست سنوات من حرب طاحنة دمرت البلد وشردت أهله, لكن الواقع ووفق تصريحات من هم أهل الحل والربط والمعرفة يقول: لا تفرطوا في سقف التوقعات وأن مؤتمر “جنيف4” ليس أكثر من وجود مبالغ مالية في خزينة “ديمستورا”  تستدعي صرفها من قبل الأمم المتحدة فأقامت وليمة جديدة في جنيف ودعت إليها بعض المدعوين وبمجرد انتهاء هذا الرصيد من المال سيتم توديع أصحاب الدعوات وإعادتهم إلى مقراتهم ومناطق إقامتهم وانطلاقهم, أما قضية الشعب السوري أو “طبخة البحص” التي وضعها المجتمع الدولي والرعاة على نار “جنيف” فما يزال الخلاف هو سيد الموقف بين طهاتها وأطرافها وما زال الاستهتار والتراخي يسيطر على تصرفات معظم الأيادي العابثة بهذا الملف.
مساء الأربعاء أعلن المبعوث الأممي “ديمستورا” عن وصول وفود السفارات وغاب وفد الشعب السوري تقريباً إلا من البعض, فوفود الضيوف والرعاة كان من الطبيعي أن تضم ممثلي بلادها ومصالحهم, لكن وفود المعارضة أيضاً (وفد الهيئة ومنصة موسكو ومنصة القاهرة وغيرهم ممن دعاهم ديمستورا للحفلة في جنيف), هؤلاء أيضاً (وبأسف شديد) فإن معظم مكوناتهم عبارة عن مندوبي سفارات وقليل جداً من ممثلي الثورة, أما وفد النظام فبدون أدنى شك يضم بكامله العملاء الحقيقيين لسفارتي إيران وروسيا ولا مكان فيه لمن يمكن أن يٌفكر بمصالح الشعب السوري, فأي حل يمكن أن يٌنتظر من هؤلاء؟؟؟
تصريحات وتوقعات أصحاب الشأن من مسؤولي المجتمع الدولي وبمعظمهم غلبت عليها لغة اليأس والتوقع بعدم الوصول لأي اختراق بطريق الحل, وخفضوا كثيراً من سقف توقعاتهم بالوصول إلى أي تقدم قد ينتج عن اجتماعات جنيف4, فالأمين العام للأمم المتحدة ووزير الخارجية الروسي والاتحاد الأوروبي وحتى المبعوث الدولي “ديمستورا” اتفقوا جميعاً أن سقف الأماني جداً منخفض, أما الولايات المتحدة الأمريكية (إدارة ترامب) فما تزال غائبة تماماً عن المشهد السياسي نظراً لانشغالها بملفاتها الداخلية وعدم اكتمال أطقم موظفي مكاتبها.
عسكرياً وفي ميادين القتال كان يٌفترض باجتماع “أستانا”1و2 أن يقدم الظروف الموضوعية وحسن النوايا لمفاوضات “جنيف4” من خلال تثبيت وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار عن المناطق المحاصرة وإدخال المساعدات, وتلك هي الأهداف التي قالها “الروس”, لكن ما حصل على أرض الواقع يتنافى تماماً مع تلك الأهداف, فـ”وادي بردى” و”نبع الفيجة” ابتلعهم “حزب الله” وتم طرد سكانه ومقاتليه إلى محافظة “إدلب” رغم الوعود الروسية والتأكيدات التي أعطوها لوفد الفصائل المسلحة, ومع بدء التحضير لجنيف4 وكعادة ميليشيات النظام وميليشيات إيران مع أي استحقاق تفاوضي قام هؤلاء بخرق الهدنة الموقعة مع أهالي أحياء “القابون” و”برزة” و”تشرين” عبر قصف جوي ومدفعي وصاروخي وعبر عملية تشريد وتهجير للأهالي باتجاه الغوطة الشرقية, أما باقي المناطق والجبهات السورية فلم تكن بأقل انتهاكات وخرق لاتفاق وقف إطلاق النار من طيران “الأسد”  وطيران “بوتين” إن كان في جبهة “درعا” أو بلدات ومناطق “الغوطة الشرقية” وجبلي “التركمان والأكراد” (بداما والبرناص) أو في منطقة “الحولة” وبلدات “الرستن” أو في ريف حماه الشمالي وحتى ريف حلب الغربي, وبما لا يدع مجالاً للشك أٌثبت أن ما أعلنه الضامنين “التركي والروسي” لم يكن سوى حبراً على ورق ووسيلة لتضييع الوقت وعدم الالتزام حتى من الضامن “الروسي” الذي عجز أو تماهى مع الأجندة الإيرانية الرافضة لأي حل سياسي, بدليل أن طيرانه لم يتوقف عن قتل السوريين وزاد عليه بتزويد “الأسد” بصواريخ “أرض- أرض” وصلت ميناء طرطوس مؤخراً من روسيا لتزيد من جرعة الموت التي تطال السوريين وتمنع عنهم أسباب الحياة إضافة لبراميل الموت التي كان الطفل “عبد الباسط السطوف” أحد ضحاياها, ذلك الطفل الذي بٌترت أطرافه السفلية وكذلك ذراع أخته وقٌتلت أيضاً والدته بمشهد هز ملائكة السماء لكن لم يٌرف له جفن أحد في عواصم القتل “موسكو, طهران,الضاحية الجنوبية, قصر الأسد”.
مؤتمر جنيف غابت عنه الإرادة وغابت عنه قناعة الوصول لأي حل سياسي, وعندما تعلن المخابرات الأمريكية عن وقف دعمها للفصائل المسلحة في الشمال الغربي السوري (وهي المتوقفة فعلياً منذ أكثر من عام) فهذا يعني أن الشعب السوري الذي خرج ثائراً على نظام ديكتاتوري باع البلد لإيران من أجل أن ينعم بالحرية واستقلالية القرار, بينما يٌراد من تلك الضغوط أن تجعل قيادة الثورة سياسياً كعملاء للسفارات يطبقون مفردات أجنداتها, وعسكرياً يٌراد منهم أن يصبحوا خدماً وعبيداً لغرف “الموك والموم” بعيداً عن أي ارتباط بأهداف الشعب السوري, وحظر السلاح الذي أٌعلن يحقق لـ”واشنطن” ثلاثة أهداف تسعى لتحقيقها:
الهدف الأول: إضعاف الفصائل المعتدلة وجعلها لقمة سائغة بيد التنظيمات المتشددة وبالتالي اختفاء وزوال تلك الفصائل, وتحويل مدينة “إدلب” وريفها إلى طيف واحد يجعل منها “قندهار” جديدة تدفع بالتحالف الدولي وروسيا وإيران ونظام الأسد لإعلان “الجهاد الأممي” عليها وتدميرها وقتل أهلها تحت شعار “محاربة الإرهاب” وبالتالي إجهاض وإنهاء الثورة السورية.
الهدف الثاني: إرباك الفصائل العربية المعتدلة المتواجدة بالشمال السوري وإظهارها بمظهر الضعيف غير القادرة على أن تكون الذراع العسكري الأرضي لمعركة التحالف الدولي المرتقبة في عاصمة البغدادي “الرقة”, وبالتالي تقديم ميليشيات صالح مسلم “قوات سورية الديموقراطية” على أنها الشريك الأفضل والوحيد.
الهدف الثالث: الضغط على القيادة السياسية والعسكرية للثورة من أجل القبول بالحل الروسي “المذل” والمتوافق عليه على ما يبدو مع “واشنطن”, ذلك الحل الذي يٌعيد إنتاج نظام “الاسد” بقالب جديد عبر “حكومة وحدة وطنية” وعبر فيدراليات تٌرضي “موسكو” و”واشنطن” وتضع اللبنة الأولى في طريق تقسيم سورية.
مؤتمر جنيف سينتهي وسيعود الجميع, وحظر السلاح لن يقف عائقاً في استمرار الثورة, فالشعب الذي كسر القيد وحطم جدار الخوف لن يرضخ لضغوط تٌجبره على تغيير قناعاته, ومن وقف في وجه عصابة “الأسد” المدعومة من كل عواصم القتل والإجرام لن يخشى بعدها من أحد ولم يعد هناك ما يٌخيفه أو يمكن أن يهدده.
قرار الشعب السوري هو الاستمرار بالطريق حتى النهاية وبكل الأساليب والطرق الممكنة, ومن أراد البحث عن حل حقيقي يوقف القتل والاقتتال فأيدي السوريين ممتدة لكل المبادرات, الخيار السياسي لن يٌغيب عن أجندات أهل الثورة لكن البندقية ستبقى صاحية وعلى أٌهبة الاستعداد.
فهل يصل أصحاب القرار الدولي لقناعة أن مرحلة “الأسد” قد انتهت, وأن لا نفوذ لإيران في دمشق الأمويين؟؟
أم نبقى في صراع يمتد لسنوات ومن ثم يعود لنفس القناعة من أن لا مكان للأسد وإيران في دمشق؟؟
حتى ذلك الحين …. مستمرون حتى الانتصار.
العميد الركن أحمد رحال
محلل عسكري واستراتيجي


المصدر: العميد الركن أحمد رحال: جنيف4..هل تٌصلح السياسة ما أفسده العسكر؟؟؟

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك