مايو 16, 2024

العميد الركن أحمد رحال: كلنا شركاء
الحقيقة التي ستثبتها الأيام أن كل الدلائل والمؤشرات والوثائق التي تناوب على تقديمها كلاً من “سامنتا باور” المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن ورؤساء المنظمات الدولية وكل الجرائم التي قدمها وكشف عنها إعلام الثورة ليس إلا نذراً يسيراً وعشراً من أعشار الحقيقة التي ستظهر عندما يسقط نظام “الأسد” وعندها سوف تتكشف الحقيقة كاملة, الحقيقة التي لن يتقبلها عقل البشرية وستشيب لها رؤوس الولدان.
الحديث عن خطط النظام وخبثه وأساليبه في محاولاته لاحتواء الثورة وإجهاضها بعد قرابة الست سنوات لم يعد ضرباً من التخمين أو يخضع لتحليل سياسي, الآن أصبحت المعالم واضحة وأصبحت الحقائق راسخة وتٌظهر وبما لا يقبل الشك فظاعة إجرام النهج الذي اتبعه “الأسد” وبنصائح “إيرانية” ثم انقلبت فيما بعد لأوامر لا يجرؤ على مخالفتها “الأسد”.
مع بداية عام (2011) كان هناك اجتماعاً ترأسه بشار الأسد وضم حوالي المائة شخصية (سوريين ولبنانيين) من كل مناحي الحياة ومن كل تخصصات المجتمع وعلومه, كانت غاية الاجتماع وضع خطة للتعامل مع الشعب السوري إذا ما قرر الانضمام إلى ثورات الربيع العربي التي اجتاحت عدة أقطار عربية, وتجلت الخطة التي نجمت عن هذا الاجتماع بهدفين اثنين:
الأول: السعي الحثيث لعسكرة الثورة إذا ما اندلعت, وتسليحها ومنع تكرار تجربة “ثورة الياسمين” في تونس.
الثاني: أدلجة الثورة وأسلمتها ونعتها بالإرهاب والترويج إعلامياً لسعيها لٌقامة الخلافة والإمارة.
وفيما بعد ومع انطلاق الثورة ظهر الهدف الثالث الذي تمحور حول دعشنة الثورة.
ولتحقيق تلك الأهداف كان لابد من نهج يعمل عليه ضباط الأسد وقادته وفروع أمنه وشبيحة لجانه الشعبية التي انقلبت فيما بعد لتصبح ميليشيات الدفاع الوطني بعد أن تولت “إيران” تسليحها وتمويلها وقيادتها, هذا النهج كان عبر صلاحيات مفتوحة بالقتل والسرقة و”التعفيش” في محاولة لإثارة أطماع ضباطه واستغلالاً منه لمعرفته بمدى جشعهم للمال وذلك مقابل الجرائم التي يرتكبوها ضد شعبهم خدمة لأسيادهم في دمشق وطهران, وزاد نظام الأسد على ذلك عبر حملة إعلامية قلبت المفاهيم, فجعلت المجرم بطلاً واللص شريفاً والخائن وطنياً.
جرائم نظام الأسد ليست بجديدة على الشعب السوري وكذلك ليست بجديدة على قادته وأقبية مخابراته, ففي نهاية السبعينات كان مجازر جيش الأسد ووحداته الخاصة في “حماه”, تلك المدينة التي دفعت ثمن باكورة الإجرام الأسدي, ثم تلا ذلك مجزرة سجن تدمر التي قادها “رفعت الأسد” قائد سرايا الدفاع في حينها والتي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الشهداء داخل زنازين سجن تدمر, عدا عن إجرام أربعة عقود من الزمن قتل فيها في أقبية المخابرات أكثر ممن فارق الحياة لانتهاء أجله.
دخول الاحتلال الروسي لم يكن ليغير من طباع نظام الأسد ولم يكن ليحد من جرائمه لا كماً ولا نوعاً باعتبار أن الزائر الروسي الجديد يحمل نفس الطباع مع شعبه, وقائده خريج أجهزة مخابرات الإتحاد السوفييتي التي أرعبت شعبها وقتلت منهم أعداداً تفوق من قٌتل في كل حروبه بما فيها الحرب العالمية الثانية, ومجزرة مدرسة “بيسان” هي من أبرز جرائم نظام “بوتين” في عام (2004) والتي ذهب ضحيتها
(333) طفل روسي, ومجازر قادة الروس لا تحصى, ففي شتاء عام (2015) كانت مجزرة البلدات السبعة في أوكرايينا, تلك المجزرة التي ذهب ضحيتها عدداً من الضباط الأوكرانيين الذين وثقوا بالممرات الروسية الآمنة فكانت طلقات غدر بالظهر هي من رسمت نهاية حياتهم, وهذا يذكرنا بتجربة نظام الأسد واستنساخه لتلك التجربة في حلب عندما أراد مع شركائه الروس الدعوة لنفس السيناريو وفتح ممرات الموت التي أسموها ممرات عبور من أحياء حلب الشرقية والتي رفضها سكان وأبطال حلب.
الآن حشد الروس كل ما يملكون بعد أن شعروا أنهم قد تورطوا برمال سورية المتحركة وأن الدب الروسي قد وقع بالمصيدة الغربية التي نصبتها لهم “واشنطن” والتي تعيد وتكرر نفس المأساة التي عاشها الاتحاد السوفييتي في أفغانستان, لكن عقل “بوتين” المخابراتي لم يتراجع ولا يعرف التراجع طالما أن هناك خيارات دموية أخرى يمكن اتخاذها فكان قراره حسم الأمر عسكرياً في سورية واستغلال الفترة الذهبية التي تمنحه إياها إدارة “أوباما” العرجاء التي تحزم حقائبها لمغادرة البيت الأبيض, وكانت مدينة “حلب”والأحياء الشرقية المحاصرة هي الهدف الاستراتيجي الذي يسعى لتحقيقه بوتين من أجل إيجاد موازين قوى عسكرية جديدة يستطيع أن يواجه بها إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب” وبتلك الوقائع العسكرية الجديدة على الأرض يستطيع “الفوهرر بوتين” من تحقيق أجندته السياسية وحلوله التي يطمح لها في سورية وانطلاقاً من تلك الوقائع يفاوض لإعادة أمجاد وإرث الاتحاد السوفييتي ولكن على المقاييس الروسية.
مدينة “حلب” التي ما خنعت يوماً ولا رفعت راية استسلام على مر العصور والدهور, “حلب” التي تعتز بأبنائها وببطولات رجالها يٌراد لها اليوم أن ترفع الراية البيضاء وأن تفتح أبوابها لقاسم سليماني وحسن نصر الله وبوتين وقزم القرداحة بشار الأسد, وعندما رفضت انطلقت السفن بصواريخها والطائرات الروسية والأسدية لتعربد في سمائها وتمطرها بكل ما تحمله من أسلحة وذخائر وصواريخ, من القنابل الفراغية والعنقودية والفوسفورية وحتى النابالم وغازات الأسلحة الكيميائية لم تسلم منها بعد أن حملتها وألقتها حوامات الأسد.
في الميدان كانت هناك الحشود البرية تتجمع وتتوالى بالحضور من طهران وقم ومن العراق والضاحية الجنوبية لتشكل أكبر قوة عسكرية تهدد مدينة حلب, والخطة الأسدية التي صاغها ضباط “إيران” تقضي بالهجوم على حلب الشرقية من تسعة محاور كما هي القراءة العسكرية للخرائط التي تسربت من غرف عمليات “إيران” في حلب عبر حشود شيعية وهي بأقل توصيف يمكن القول أنها ميليشيات إرهابية عابرة للحدود وقادمة لقتل الشعب السوري تحت شعارات طائفية مقيتة.
بشار الأسد الذي فتح بوابات سورية لكل مرتزقة الأرض منذ بداية الثورة السورية ولم يتوقف أبداً عن إدخال كل المجرمين إلى الحرم السوري, وكانت دعوته الأخيرة لاستقدام الحشد الشيعي الطائفي العراقي الذي أدمى قلوب العراقيين وارتكب (وما زال) جرائم تصنف في قواميس العدالة على أنها جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية.
المجتمع الدولي الذي أتحفنا كإدارة “أوباما” بمزيد من الخطوط الحمراء والصفراء والزرقاء وتخطاها جميعها قتلة إيران والأسد وبوتين, عاد اليوم عبر المبعوث الأممي “ديمستورا” وعبر بعض مسؤولي الغرب ليحذر مما ينتظر مدينة حلب من مستقبل قاتم تحمله أقدام الغزاة وغربان السماء التي ترافقهم, لكن تلك التحذيرات كما خبرها الشعب السوري الحر لم ولن تترافق يوماً مع أي إجراء تنفيذي أو قرار زاجر وحاسم يوقف هؤلاء القتلة ويمنعهم من متابعة الطريق, وحتى اجتماع أصدقاء المعارضة السورية الذي دعا إليه وزير الخارجية الفرنسي مؤخراً لا يٌتوقع أن يخرج بما يفرج أو يخفف من مخاوف المعارضة.
حلب اليوم مع أكثر من (350) ألف محاصر تستعد لمواجهة الموت بصدورها العارية قولاً وفعلاً على أيدي المجتمع الدولي أولاً ومن ثم على أيدي مجرمي هذا العصر في موسكو وطهران والقرداحة.
حلب الآن تعيش وضعاً معيشياً ضنكاً ووضعاً طبياً مأساوياً ووضعاَ إنقاذياً كارثياً, فالحصار أنهك أهلها وكل الهدن لم تستطع إدخال سلة غذائية واحدة أو علبة حليب أو دواء لأحيائها المحاصرة, والمستشفيات دمٌرت والمستوصفات قٌصفت وفرق الإنقاذ قٌتلت والشهداء ما زالوا تحت الأنقاض لتعثر تواجد الأدوات والعتاد.
لكن:
حلب لن تموت
حلب لن تٌقهر
حلب لن تركع
تلك هي شعارات أهل حلب, وتلك هي أهدافهم, ومقابل تحقيق تلك الأهداف تستعد حلب لكتابة تاريخها بدماء أبنائها وأبطالها وفرسانها.
وحلب لن تبخل بدماء أبنائها لحماية قدسية ترابها الذي يستحق التضحيات .. لكن من أجل من تراق كل دماء شيعة ملالي طهران ومرتزقة بوتين ؟؟؟
حلب عربية وستبقى.
حلب حمدانية وستبقى.
حلب أموية وستبقى.
فهل يدرك زناة العصر تلك الثوابت؟؟؟
العميد الركن أحمد رحال
محلل عسكري واستراتيجي
     اقرأ:
العميد الركن أحمد رحال: رسالة الثورة للانتخابات الأمريكية.. لا أسفاً على من رحل
العميد الركن أحمد رحال: حلب (تٌغتصب) … حلب نادت (وااامعتصماه)
العميد الركن أحمد رحال: (بوتين) يهدد … وجيش الفتح يقبل (التحدي)
العميد الركن أحمد رحال: المقاومة الثورية … بركان الثورة القادم
العميد الركن أحمد رحال: إدلب القادمة … أهي غروزني أم غزة؟؟؟
العميد الركن أحمد رحال: صراع الأقوياء على حساب الدماء … لكِ الله يا سورية
العميد الركن أحمد رحال: دماء (حلب) ثمنٌ لتناحر (موسكو) مع (واشنطن)



المصدر: العميد الركن أحمد رحال: بدماء أبنائها … حلب تكتب تاريخها

انشر الموضوع