مايو 16, 2024

العميد الركن أحمد رحال: كلنا شركاء
بعد نحو عام من اجتماعات ومفاوضات ماراتونية بين الجانبين الروسي والأمريكي خرج علينا الثنائي الضاحك “كيري_لافروف” للإعلان عن توصلهما لاتفاق نهائي يتضمن خمس وثائق أعلن عن جزء منها وأخفي جلها الأعظم.
الاتفاق وعبر تلك الوثائق الخمس تضمن ثلاث محاور عمل:
– هدنة وقف الأعمال العدائية.
– خطة الحرب المشتركة (روسياً_أمريكياً) على الإرهاب.
– خطة إدخال المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة.
الولايات المتحدة الأمريكية أكدت وعبر أكثر من موقف مؤخراً أثبتت أنها قد غيرت من تموضعها وأنها تبنت الرؤية الروسية بالتعامل مع الثورة السورية, وبالتالي حدت كثيراً من خيارات المعارضة باتخاذ قرار يعكس حقيقة موقفها من هذا الاتفاق, أيضاً المعارضة تدرك تماماً أنها أمام نظام يتقن التلاعب على القوانين وفن إضاعة الوقت, والمعارضة تدرك أيضاً أن “إيران” هي صاحبة القرار الفصل في استمرار اعتماد الخيار العسكري, وأن “قاسم سليماني” وعبر كل ميليشياته مع النظام سوف يحاولون وبكل ما يستطيعون من أجل خرق هذا الاتفاق ومنعه من الاستمرار وسيحاولون إعادة الاقتتال للساحات والجبهات لمنع التوصل لأي “حل سياسي” قد يطيح برأس أسدهم ويبعده عن السلطة.
لكن وبرغم ذلك تعاملت المعارضة السورية وبجناحيها السياسي والعسكري مع هذا الاتفاق وبشكل إيجابي وقالت أنها تدعم أي جهد دولي يوقف القتل والدمار عن الشعب السوري ويساهم (إذا ما نجح المجتمع الدولي بكبح جنون روسيا وإجرام إيران ونظام الأسد) بالتوصل إلى “انتقال سياسي” يحقق تطلعات الشعب السوري ويوقف حالة الاقتتال.
لكن بالعودة إلى فقرات الاتفاق نجد أنه يمكن وصفه بالصندوق الأسود المليء بالألغام الموقوتة ويحوي عبارات وتوافقات إعلامية أكثر منها واقعية وأننا أمام هدنة هشة برعاتها, وهشة ببنودها, وهشة بتطبيقها.
من حيث الرعاة, وجدنا أن الخلاف واضح ومتجذر بين (الأعدقاء) موسكو وواشنطن وأنه سرعان ما انفجرت الاتهامات بين الطرفين ووجدنا هذا الكم من التراشق الإعلامي الذي أقل ما يقال عنه أنه لا يمكن أن يسمح لتلك الهدنة وهذا الاتفاق بالتطبيق على أرض الواقع, سيما وأن الطرفين أبديا عدم الثقة بالآخر وحتى خلال المؤتمر الصحفي لوزيري خارجية البلدين, عدا عن الخلافات داخل الإدارة الأمريكية بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والمخابرات الأمريكية والتي تنتظر الحسم من قبل الرئيس “أوباما” شخصياً.
من حيث البنود, كان من الواضح أن الطلبات الروسية تم تثبيتها بالكامل ضمن أوراق الاتفاق وأن رسالة “مايكل راتني” للفصائل المسلحة والتي وعدتها بمنع طيران “الأسد” من التحليق قد تم نسفها والاستعاضة عنها بتقاسم مناطق القتل ما بين التحالف الأمريكي_ الروسي فوق “حلب وإدلب والرقة وحتى دير الزور” وبين طيران “الأسد” الذي تٌرك له أكثر من (65%) من الجغرافية السورية, إضافة إلى التغاضي عن كل الإرهاب العابر للحدود وكل الميليشيات الطائفية التي استقدمها نظام “الأسد” ونظام “ملالي طهران” لقتل الشعب السوري وعدم اعتبارها إرهاباً, وحصر الإرهاب فقط بتنظيم “جبهة فتح الشام” وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مع ملاحق لها أبدتها روسيا.
من حيث التطبيق, وجدنا أن الاتفاق لا يحوي أي آلية تنفيذ أو آلية مراقبة أو أي آلية حساب وعقاب, ووجد الشعب السوري أن الطيران الأسدي والروسي ودع مجمل المدن السورية وبلداتها وخلال الساعات التي سبقت دخول وقت الهدنة بجرائم يندى لها جبين البشرية وبحقد غير مسبوق لقتل وسفك دماء السوريين وظن الناس أنها لحظات ما قبل الهدوء وأن هذا التصعيد اعتاد عليه جمهور الثورة من خلال جرائم مروعة يرتكبها طيران وميليشيات النظام لأجل إجبار الفصائل على رفض الهدنة, لكن مع دخول الوقت المعلن وجدنا أن الدمار الذي رافق ساعات ما قبل الهدنة كان بداية وليس نهاية ومعه استمر طيران وحوامات ومدفعية “الأسد” بالقصف والتدمير واستخدام البراميل وحتى في المناطق التي يٌفترض أنها مناطق عمل أمريكية_روسية وتم تسجيل حتى مساء (الأربعاء) أكثر من 65 خرقاً لميليشيات “الأسد” وحلفائه.
وبالتالي وجد الشعب السوري أنه أمام اتفاق هش ومفكك ولا توجد له أي آمال بالتطبيق والتحقيق وخصوصاً مع دخول صراع أمريكي داخلي حول هذا الاتفاق بالنزاع الذي تفجر بين وزير الدفاع الأمريكي “أشتون كارتر” وبين وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” بعد أن وجه له وزير الدفاع تهمة بأنه يصنع اتفاقاً لمجد شخصي وليس لمصلحة أمريكا والمعارضة السورية وأصدقاء أمريكا, ويضاف لهذا النزاع دخول المخابرات الأمريكية على الخط من خلال مساندتها لتحفظات البنتاغون الأمريكي على الاتفاق والقول أنها أيضاً غير قادرة على التجاوب مع بنود الاتفاق وأنها لا تثق بالاستخبارات الروسية لتشاركها (داتا) المعلومات التي تملكها, وأن قناعة وزارة الدفاع والاستخبارات أن كل الجهود الأمريكية ستوظفها روسيا لإبقاء حليفها “الأسد” بالسلطة والاستمرار بنهج ضم شبه جزيرة القرم وتقسيم أوكرايينا.
بالعودة لفصائل الداخل التي وجدت نفسها أنها ستعيد مأساة مقولة: (أٌكلت يوم أٌكل الثور الأبيض) إذا ما وافقت على بنود الاتفاق وذلك بحكم معرفتها بالنوايا الروسية الداعمة لنظام الأسد, وبمعرفتها المسبقة بضعف إدارة الرئيس “أوباما” وعدم قدرته في الفترة المتبقية له بالبيت الأبيض من الوقوف في وجه غطرسة قيصر روسيا “بوتين”.
فالقيادة الروسية وعلى لسان كل مسؤوليها قالتها وبمنتهى الصراحة المصحوبة بالوقاحة أنها تعتبر كل من يقاتل نظام الأسد “إرهابي”, وبرغم صدور قرارات مجلس الأمن التي صنفت “جبهة النصرة” و”تنظيم داعش” فقط على قائمة الإرهاب, ورغم رفض مجلس الأمن الطلب الروسي بضم فصائل أخرى إلا أن روسيا ما زالت تقول أن حركة أحرار الشام هي “إرهاب” وأن جيش الإسلام هو “إرهابي”, ولتأمين استمرار قصفها للجيش الحر خرجت علينا روسيا بتصريحات جديدة ومصطلحات خطيرة عندما قالت أول مرة أن هناك الكثير من الفصائل تتواجد تحت عباءة “جبهة فتح الشام” (النصرة سابقاً) وأن روسيا ستستمر بقصف “مناطق الإرهاب” وهذا يعني أن الطيران الروسي سوف يستمر بما قام به خلال قرابة العام على دخوله الأجواء السورية من خلال قصف مواقع المدنيين والثوار خدمة لحليفهم “الأسد” لكن بفارق أن الأعمال تتم الآن بشرعية ومظلة أمريكية.
في الشق الإنساني ومع أولى القوافل التي تقدمت لتطبق الاتفاق وتعبر لحلب المحاصرة, منعت ميليشيات النظام تلك القوافل من الدخول بحجة أنها لم تنسق معها وبخرق واضح لما أعلنه المبعوث الأممي “ديمستورا” من أن قوافل الإغاثة لا تحتاج لأذونات مسبقة ولا لموافقات ومع ذلك توقفت القوافل على أبواب “حلب” مع ظاهرة جديدة تمثلت بإنزال روسيا لقوات خاصة على طريق “الكاستيللو” كبديل عن الأمم المتحدة وبانتهاك صارخ وخرق واضح للاتفاق الذي ينص على ابتعاد ميليشيات “الأسد” بأسلحتها الثقيلة لمسافة (3,5)كم وبأسلحتها المتوسطة لمسافة (1,5)كم وبقاء حاميتين صغيرتين من النظام والمعارضة وبقوام فقط (20) عنصر لكل منها تفصل بينهما مسافة (500) متر.
القراءة الواقعية تقول: أن اتفاق كيري_لافروف ولد ميتاً, وأن تبادل الأنخاب والفطائر فيما سٌمي اتفاق البيتزا_فودكا لم يستطع أن يضخ الحياة لاتفاق خشبي غير قابل على الحركة ولا توجد له مسوغات التطبيق, لكن يمكن القول أنه استطاع أن يكرس الأجندة الروسية باستمرار قتل كل من خرج وشق الطاعة عن ديكتاتورية حليفهم “الأسد” وأن المراحل القادمة وفق الاتفاق ستكون بتقاسم عمليات القتل على الجغرافية السورية, فمن لم يقتله إرهاب “داعش” سيطاله قصف الطائرات الروسية والأمريكية ومن كٌتب له الحياة وخرج سالماً من بين أيدي قراصنة هذا العصر سيكون طيران “الأسد” وبراميل موته بانتظاره على الضفة الأخرى.
الشعب السوري الحر يقرأ ويدرك تلك الأحداث, ولديه من بعد النظر ما يكفي لأن يستشرف ملامح المرحلة القادمة, ولديه من الثقة والقدرة على قلب الوقائع وتغيير قواعد اللعبة, لذلك هو قرر المواجهة بطريقته الخاصة … كيف؟؟؟
قادم الأيام يحمل لكم ما تجهلونه اليوم.
العميد الركن أحمد رحال
محلل عسكري واستراتيجي


المصدر: العميد الركن أحمد رحال:  اتفاق كيري_لافروف … اتفاق البيتزا_فودكا

انشر الموضوع