أبريل 29, 2024

مضر الزعبي: كلنا شركاء
خرج برفقة ذويه من بيت سلطان باشا الأطرش باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وهو في الثالثة من عمره، ليعود بعد أن شبّ إلى وطنه، حاملاً شهادته في السينما، ويشهد على انطلاقة ثورة السوريين عام 2011، ثم ليعود مرةً أخرى إلى مخيم “الزعتري” حيث عاين مآسٍ ألهمته ليكون مرآةً لمعاناة الفارّين من البطش والحرب.
“فيصل الأطرش” السينمائي السوري الأمريكي، الذي غادر البلاد عام 1991 منذ نعومة أظفاره، عاد إلى الأردن ليندمج بآلام اللاجئين وآمالهم، وهناك في عمّان التقته “كلنا شركاء” ليحدثنا عن مسيرته وأعماله التي أعدّها ويعدّها عن وطنه سوريا.
“الأطرش” وُلد عام 1988، لأسرة معروفة في محافظة السويداء، فهو حفيد قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش، وإلى موطنه عاد حيث حاول إنتاج فيلمٍ يحكي معاناة السوريين وأوجاعهم قبل اندلاع الثورة، فواجهته سلطات النظام بالمنع، فلم يمضِ أكثر من عامٍ في البلاد حتى انفجرت ثورة السوريين فاختار العودة إلى البلاد التي أمضى فيها معظم حياته.
“فيصل” في لوس أنجلوس
وقال “فيصل الأطرش” لـ “كلنا شركاء” إن والده صيدلاني ووالدته طبيبة أسنان، هاجروا من سوريا ليس من أجل تحسين الظروف الاجتماعية، ولم يكونوا يتوقعوا أن يستقروا في الولايات المتحدة، ولكن مع مرور الزمن كان هدف ذويه أن يكمل مع شقيقه تعليمهما في الولايات المتحدة.
درس “فيصل” (تطوير البلدان النامية) بالإضافة لاختصاص في السينما في السنة الأخيرة في جامعته بولاية لوس أنجلوس الأمريكية، وتخرج في العام 2010، وعمل كرئيس لنادي الطلبة العرب في جامعته، حيث كان يهتم بتعريف الأمريكان على العرب والقضية الفلسطينية.
السرفيس
وفي العام 2010 زار “فيصل” سوريا مع ذويه وقرر البقاء فيها، حيث كتب سيناريو لفلم قصير تحت عنوان (السرفيس)، ويتحدث عن خريج جامعي يعمل سائق سيارة أجرة نتيجة البطالة، وبطل الفلم يتعرض لحادث سير ونتيجة عجزه عن دفع المبلغ المالي المترتب عليه يأخذ ركاب السرفيس الذي تسبب بالحادث كرهائن.
وأضاف بأن فكرة الفلم تتحدث عن قصص جميع ركاب السرفيس ومشاكلهم خلال فترة الاحتجاز، وفي النهاية يدرك البطل أن الجميع لديهم نفس المشاكل، وقد وصلوا لحالة الانفجار، وأشار إلى أنه كأي سوري آخر كان يركب السرفيس ويشاهد ويسمع قصص الناس.
ومع انطلاق الثورة كان يبحث عن كادر ليبدأ عمله في فلمه، ولكن مع انطلاق الثورة لم يعد أحد يرغب في العمل، بالإضافة لمنعه من الحصول على ترخيص التصوير في سوريا.
غادر “فيصل” سوريا مجدداً في 30 تموز/يوليو عام 2011، وقبل أن يغادر كان لديه فضول لمشاهدة مسيرات الموالين للنظام في العاصمة دمشق، ووجد أن الغالبية من الأطفال دون 16 سنة، والبقية من الموالين للنظام المستفيدين منه.
وعن محافظته السويداء، قال “فيصل” إن معظم أصدقائه من محركي المجتمع الراغبين بنيل حريتهم، وأنه مع أول شهيد في السويداء كان الجميع يظن أن السويداء ستنخرط في الحراك الثوري، ولكن الواقع كان معاكساً تماما.
“فيصل” من هوليود إلى الزعتري
وعقب مغادرته سوريا، تابع “فيصل” دراسة الماجستير في لوس أنجلوس في أفضل مدرسة سينما في العالم، وفي المدرسة يوجد أغلب نجوم هوليود، وقد اختص “فيصل” في الإخراج والإنتاج، وكان مشروع تخرجه عن حي (سوريا الصغيرة) في ولاية نيويورك، الحي الذي ضم أغلب المهاجرين السوريين إلى الولايات المتحدة مطلع القرن العشرين، وهو الحي الذي عاش فيه “خليل جبران”.
وفي العام 2013 قرر “فيصل” العمل مع اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري، حيث كان لديه صديق أردني فلسطيني زار مخيم الزعتري وتكلم له عن قصص سكان المخيم، وعندها قرر التوجه إلى الأردن على الرغم من عدم وجود أي معارف له في الأردن، وكانت زيارته الأولى للأردن.
وأشار “فيصل” إلى أنه كان من السهل الدخول حينها للمخيم، وكان مخططاً للعمل مع الحلاقين في المخيم، فهم يتكلمون عن قصص مجتمعاتهم كون الحلاق هو بيت أسرار الناس في جميع أنحاء العالم.
وبعد زيارته وجد أن هناك إمكانية للعمل في المخيم، فعاد إلى الولايات المتحدة، وبعد أشهر عاد إلى المخيم مع كادره المؤلف من أربعة أشخاص من الولايات المتحدة والتشيك، وبعد أسبوعين من التصوير أنجز فيلمه في عام 2014، وكانت مدته 28 دقيقة.
وأشار “فيصل” إلى أنه عقب انتهائه من فلمه عمل على إنتاج فلم تحت عنوان (الموثقون)، وقد شارك فيه الفنان السوري “جهاد عبدو”، وكان من أوائل الأعمال للفنان “جهاد عبدو” في لوس أنجلوس قبل دخوله إلى هوليود، وكان الفيلم يتحدث عن الصحفيين المدنيين في سوريا، وكان الهدف منه استخدام الإعلام من أجل التوعية الاجتماعية، ويحكي الفلم عن السياق في سوريا، لكن مع تجاهل المكان والزمان، كون عدد من الممثلين هم من الأمريكان.
وعن فيلم (الزعتري)، قال “فيصل” إنه عرض في 25 مهرجاناً حول العالم من أهمها مهرجان (شيفليد)، وقد ربح عدداً من الجوائز في مهرجانات دولية، كما عرض في الأمم المتحدة في جنيف، وشكّل الفيلم له البداية لعمله في مخيم الزعتري، ففي العام 2015 رجع إلى مخيم الزعتيري وأقام ورشة عمل للشباب والصبايا عن كيفية عمل وثائقي عن طريق كاميرا الجوال، وكيفية البداية والنهاية في القصة، والحصول على التفاصيل، وأشار إلى أنه واجهته مصاعب كبيرة في العمل، ولكن كان هناك إنجاز، حيث أنتجوا تسعة أفلام قصيرة.
“الأطرش” أشار إلى أن الهدف من ورشة العمل في المخيم كان تجربة شخصية فعقب إنتاج فلمه عن مخيم الزعتري بدأ يتكلم عن اللاجئين على الرغم من أنه لم يعش معاناتهم ولم يتعرض للقصف والتهديد، ولم يعيش في المخيمات، واقتنع أنه عليه العمل على أن يعلم هؤلاء الشباب كيفية إنتاج الأفلام القصيرة كي يتكلموا عن معناتهم بأنفسهم.
وعمل السينمائي السوري في الورشة مع مخرج سوري يقيم في الإمارات على مدار ثلاثة أسابيع متواصلة، وأنتج فيلماً عقب تجربته في الزعتري عام 2013، يتكلم عن المساعدات الشخصية وأهميتها، كما أقام ورشة عمل مماثلة لورشة الزعتري في الريحانية بتركيا، حيث يتواجد مجموعة من الناشطين السوريين.
“فيصل” و”باسل شحادة”
عاد “الأطرش” من هوليود إلى الزعتري، ولكنه لم يكن الوحيد التي قرر الهجرة العكسية، فمع انطلاق الثورة السورية عاد السينمائي “باسل شحادة” من الولايات المتحدة إلى سوريا لتعليم الناشطين وتدريبهم، ودفع حياته ثمناً لذلك.
وتحدث “فيصل” لـ “كلنا شركاء” عن إمكانية إنتاج فلم وثائقي عن “باسل شحادة”، وقال إنه اجتمع مع “شحادة” لمرة واحدة في رأس السنة 2010، في دير مار الياس، قبل سفره إلى أمريكا، وكان الحديث عن الجامعات في أمريكا وفرص الدراسة فيها، وعقب لقائه مع “شحادة” كان مهتماً بالعمل معه في مشروعة (السرفيس)، وفي العام 2012 شاهد صورة “شحادة” على صفحة والده في (فيسبوك) عقب استشهاده.
وأردف بأن “باسل شحادة” كان شهيد طائفة السينمائيين في سوريا، فقد عمل بكل إخلاص، وهو أول شهيد في سوريا يعرفه عن قرب، وشكل استشهاده صدمة، مشيراً إلى أنه مهتم بإنتاج عمل سينمائي عن الشهيد “شحادة”.
ابن الجبل
ومنذ بداية عمل “فيصل” في السينما كان لديه مشروع عن حياة قائد الثورة السورية الكبرى “سلطان باشا الأطرش”، وكان يرغب في إنتاج فيلمه في عام 2025، مئوية الثورة السورية الكبرى، وعقب زيارة الزعتري وانتقاله للشرق الأوسط قرر البدء بالعمل لإنتاج عمل عن الثورة السورية الكبرى.
وأشار “فيصل” في حديثه إلى أنه في صيف عام 2015 بدأ العمل على إنتاج فيلم (ابن الجبل)، وبدأ بالعمل على كتابة السيناريو، وقد اعتمد على عدد من المراجع التاريخية بالإضافة لأسرته، وهم عائلة سلطان “باشا الأطرش” والسيدة “منتهى الأطرش” ابنة قاد الثورة السورية الكبرى.
ومع بداية العام 2016 بدأ “فيصل” بتجهيز فريق إنتاج سينمائي كامل في الأردن، ولكن عقدة التمويل شكلت له تحد حقيقي، وبدأ بالتجهيز لحملة تبرعات لإنتاج الفيلم، لكن الحملة شكلت له صدمة، فقسم من أهالي السويداء رفضوا العمل لمجموعة من الأسباب، ومنها السياسية بالإضافة لأسباب أخرى، في حين بدأ أخرون بالبحث عن الفيلم ومن يقف وراءه، وهل هو يحاول تسييس قصة “سلطان باشا” واستغلال المعارضة لذلك.
وأكد أنه حينها أدرك تماماً أهمية الفيلم وعمقه في التاريخ السوري وثقافة شعبه، وعقب بحث عام كامل استطاع أن يفهم أهمية عمله، ولا سيما من المقربين من سلطان باشا، ولا سيما عقب تشويه التاريخ السوري الحديث، فضريح قائد الثورة السوري أخذ عشرين عاماً حتى تم بناؤه، مشيراً إلى أن سياسة النظام ومصلحته أنه يتم التعتيم على سيرة سلطان باشا أو أي شيء يذكر الناس بتاريخ سلطان باشا.
وعن نظرة أهل السويداء للعمل، قال “فيصل” إن البعض انتقد عمله (ابن الجبل)، وطالبوا بأن يكون العمل في قرية سلطان باشا وأن يتم التصوير في مضافته، مشيراً إلى أنه من المستحيل تصوير العمل في قرية سلطان باشا، كون الواقع اختلف عما كان عليه عام 1925.
وأكد “الأطرش” أنه ليس من مصلحته أو أهدافه تسييس سيرة حياة سلطان باشا، وأن هدفه هو إيصال سيرة سلطان باشا إلى مختلف السوريين، وحكاية التاريخ والتفاصيل دون رتوش، ولا يسعى لتبيض ثورة عام 1925.
وقال “فيصل” إن ما ميز ثورة عام 1925 في سوريا هي قيادة سلطان باشا للثورة، حيث أنه ابتعد عن لغة الأنا، وركز العمل على فترة ثورة 1925، مرحلة أدهم خنجر، بالإضافة للحديث عن سلطان باشا الإنسان وعلاقته بأسرته.
وعن فريق عمله، قال “فيصل” إنه ضم مجموعة من الممثلين العرب، منهم الفنان “جهاد عبدو”، وكان هناك مجموعة من شبان السويداء ولاجئين من مخيم الزعتري.
وعن تمويل العمل قال “فيصل” إنه حصل على الجزء الأول من ميزانية عمله من 208 متبرع حول العالم، كون العمل شعبي بعيد عن السياسة أو التبعية لأي حكومة، وهدفه الابتعاد عن التمويل المسيس ورفض أي أموال من سياسي، مشيراً إلى أنه يواجه مصاعب مالية كبيرة في المرحلة الحالية، فهو بحاجة لتمويل كي يستكمل عمله (ابن الجبل).
وأضاف بأن عمله الحالي هو نموذج أكبر كي يقدمه للمنتجين وشركات الإنتاج، لذلك كان من الضروري عمل فلم قصير كي يحصل على تمويل من جهة سينمائية لعمل فلم عالمي عن قائد الثورة السورية الكبرى، حيث درس في لوس أنجلوس كي يرتقي بعمل السينما في العالم العربي، وهو يسعى لإنتاج عالمي، ولذلك قرر التوجه إلى فرنسا وألمانيا وأمريكا للحصول على المبلغ كامل، كي يكون العمل عالميا.
وأردف بأنه لا زال يعمل مع اللاجئين السوريين في الأردن، وخصوصاً الأطفال، للابتعاد عن السياسة والتركيز على الجانب الإنساني.
الهجرة العكسية
وقال “فيصل” إن ما حدث للسوريين خلال السنوات الماضية يجبر أي سوري على العودة إلى الصفر وتغيير حياته، وهذا ما دفعه للهجرة العكسية والتوجه نحو الشرق الأوسط، وعلى الرغم من جنسيته الأمريكية ودراسته في أهم مدارس السينما في العالم، إلا أنه سوري قبل أي شيء، وجنسيته الأمريكية تمنحه الأفضلية في العمل وحرية التحرك لمساعدة أبناء بلدته، على حد تعبيره.
وأشار إلى أن هوية السوريين في كل العالم أصبحت واحدة والنظرة العامة لهم أنهم لاجئون، لذلك يفضل أن يكون سورياً كي يكون مثالاً لبقية السوريين، وفي أوربا يفتخر بجنسيته السورية وعمله في السينما بهدف كسر الصورة النمطية عن السوريين، كما يفتخر بالعمل قرب السوريين والدفاع عنهم.
اقرأ:
اللاجئان… العمل الأول للأخوين (ملص) باللغة الفرنسية



المصدر: السينمائي (فيصل الأطرش) غادر هوليود ليستلهم من قاطني (الزعتري) إبداعاته

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك