أبريل 19, 2024

كلنا شركاء: هافينغتون بوست عربي
للأمراض وخاصة الوبائية منها تأثيرات كبيرة في تاريخ العالم، ليس فقط فيما يتعلق بتقلّص عدد البشر، مثل الطاعون الأسود الذي قتل 75% من سكان فلورنسا خلال القرن الرابع عشر، لكن للأمراض تأثيرات غير متوقعة أيضاً، لا نراها للوهلة الأولى ولكن بتخيل العالم بدونها سنكتشف أنه كان سيصبح عالماً مختلفاً بحق.
ونتناول خلال هذا التقرير مجموعة من الأمراض التي غيرت العالم بصورة غير متوقعة.
طاعون أثينا والحرب البيلوبونيزية

في عام 400 قبل الميلاد قتل المرض الذي يُطلق عليه طاعون أثينا 25 في المائة من سكانها، ولم نعرف على وجه الدقة ماهية المرض، ولكن يُرجح بشدة إنه كان الجدري أو الحُمى التيفودية.
وأصاب هذا المرض وقتها سياسي أثيني شهير هو القائد بريكليس الذي اشتُهر بحكمته  وفطنته، وأثّر ذلك على قدراته خلال الحرب البيلوبونيزية التي دارت بين أثينا وأسبرطة، كما أثّر بالطبع نقص عدد السكان وبالتالي عدد الجنود، فكانت النتيجة الحتمية هي هزيمة أثينا في هذه الحرب، وانتقلت السلطة إلى أسبرطة بعدما كانت أثينا هي التي تحكم العالم، بسبب طاعون أثينا القاتل.
الحمى الصفراء وبيع لويزيانا

كانت ولاية لويزيانا في الماضي قطعة أرض فرنسية في الولايات المتحدة الأميركية، وأتت  الحمى الصفراء لتغيّر هذه الحقيقة.
كانت الحمى الصفراء تنتقل عبر الناموس الذي يعيش في الطقس الاستوائي، وانتشر المرض  بين جنود الجيوش الفرنسية خلال وجودهم في هايتي لمقاومة ثورة العبيد ذوي الأصول الأفريقية على الحكم الفرنسي، ما تسبب في إضعاف الجنود وانعدام قدرتهم على القتال، فقرر نابليون بيع لويزيانا بالكامل والتخلص منها.
لذلك أصبح ممكن القول بأنه لولا الحمى الصفراء وثورة العبيد لكانت الولايات المتحدة مختلفة تماماً، كانت ستصبح نصف أميركية، ونصف فرنسية.
أنفلونزا عام 1918 ومعاهدة فرساي

انتشرت أنفلونزا عام 1918 فقتلت ثلث سكان العالم، وكانت تؤثر على خلايا المخ وقدرته على أداء وظائفه بالإضافة لمعاناة حاملها من الهلوسات البصرية.
وفي أبريل/نيسان عام 1919 أصيب بها الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون وكان يلعب دوراً محورياً في ذلك الوقت في مباحثات معاهدة فرساي التي أنهت الحرب العالمية الأولى وأعلنت فيها ألمانيا مسئوليتها عن الحرب، وكان يقف بشدة ضد رغبات الوزير الفرنسي في التنكيل بألمانيا.
وأثناء معاناته من المرض لاحظ عديد من العاملين في البيت الأبيض والمحيطين بالرئيس تغيرات غريبة في سلوكه، وتم وصفه في تلك الفترة بكونه بطيئاً، متعباً، ويثور لأسباب غير معتادة.
وبسبب هذه الحالة تراجع عن العديد من آرائه بخصوص معاهدة فرساي ليترك للوزير الفرنسي كليمانصو العنان، مما أضر بألمانيا بصورة كارثية على المستوى العسكري والاقتصادي، وكانت العقوبات المجحفة والمذلة التي أنُزلت بها سبباً في تنامي الغضب الألماني على مر السنوات حتى قدوم هتلر وبداية الحرب العالمية الثانية 
الكوليرا وتأسيس علم الأوبئة

في عام 1854 أسس الطبيب والعالم الإنجليزي جون سنو علم الأوبئة بفضل شغفه بالبحث  عن سبب تفشي وباء الكوليرا في لندن.
فقد بحث طويلاً عن طرق انتشار المرض، ورفض النظرية التي تُرجع المرض إلى تواجد المستنقعات، وبدأ في ملاحظة أن المرض ينتشر بين الأشخاص الذين يستخدمون مضخات الماء، وصنع خريطة للندن تتبّع فيها المرض حتى اكتشف أنه بالفعل ينتشر بسبب مضخات الماء الملوثة.
وبدأ بعدها إدخال تغييرات جوهرية على أنظمة المياه في لندن ليقلّ معدل انتشار المرض، وأسس جون سنو قواعد علم الأوبئة وكيفية البحث عن أسباب انتشارها وطرق محاربتها، وهي القواعد التي سار عليها الأطباء بعد ذلك لقرون وحتى اليوم.
السل والموضة

تفشّى السل – ذلك المرض المعدي الذي يصيب الرئتين- بصورة كبيرة في القرن التاسع عشر  في الولايات المتحدة وأوروبا، وبما أن المرض لم يكن يقتل سريعاً وكان يصيب الكثيرين، فسرعان ما أخذ صورة رومانسية في العصر الفيكتوري، فالسيدات الراقيات الجميلات المصابات بالسل ويشعرن بالوهن ويسعلن من وقت لآخر هن الأكثر جمالاً ورقة في عيون الرجال.
وبدأت الموضة تتغير ليقدم مصممو الملابس تصميماتٍ تزيد من إظهار تأثير المرض على أجساد النساء، فجاءت الفساتين ذات الألوان الشاحبة والقصات الضيقة، ليصبح المرض وفساتينه موضة هذا العصر.
وحدث عكس هذا بالضبط في القرن العشرين حين اكتشف العلماء المزيد حول هذا المرض، وبدأ الأطباء حملات للتوعية بكيفية تجنبه، وأصبحت الموضة الحديثة هي ارتداء السيدات فساتين وتنانير أقصر حتى لا تلتقط ملابسهن الأمراض من الشوارع – فقد ظنّ الأطباء أن التنانير الطويلة هي التي تلتقط الأوساخ والأمراض من الشوارع وتنقلها إلى المنزل فينتشر في المنازل الأخرى.
وهاجم الأطباء أيضاً المشدات التي ترتديها النساء، ورأوا أنها تؤثر على الدورة الدموية في الرئتين، وأصبح الرجال حليقي الوجه بدون شوارب أو لُحى حتى يمنعوا البكتيريا من النمو في شعر الوجه.
طاعون دبلي والكنيسة الكاثوليكية

تفشّى طاعون دبلي في أوروبا خلال القرن الرابع عشر – وهو مرض ينتقل بين القوارض  والبراغيث التي تسكنها ويقتل المصابين به خلال أربعة أيام – وأطُلق على هذا الوباء الذي اجتاح أوروبا الطاعون الأسود وكان السبب في وفاة 50 مليون شخص.
وبالإضافة للتغيرات الكبيرة التي حدثت في المجتمع الأوربي بسببه فقد كان له تأثير واضح على الكنيسة الكاثوليكية التي فقدت الكثير من المصداقية بسبب عظم عدد الوفيات.
في البداية انتظر السكان من الكنيسة أجوبة حول المرض ولماذا يقتل أحبابهم بهذه القسوة والعنف وماذا يفعلون لإيقافه، وحين عجزت الكنيسة عن تقديم أي أجوبة لهم فقد الكثيرون إيمانهم بها.
وظهرت حقبة تراجع فيها دور الدين في حياة الناس وقلّت سلطة الكنيسة كثيراً عن السابق، وبدأ الناس ينتظرون الإجابات من الطب والأطباء ليأخذ هؤلاء الفرصة أخيراً ليقوموا بأبحاثهم في حرية بعدما كانت الكنيسة تضيّق الخناق على العلماء والأطباء وتتهمهم بالزندقة وتُنهي حياتهم حتى في بعض الأحيان.



المصدر: السل يغير الموضة والطاعون يفقد الثقة في الدين.. أمراض غيّرت العالم بصورة غير متوقعة

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك