مايو 16, 2024

حذيفة العبد: كلنا شركاء
تشير الوقائع والسياسة التي تنتهجها إيران في سوريا ولاسيما دمشق إلى أنها تسعى الى الهيمنة والسيطرة على سوريا اقتصادياً وسياسياً وجغرافياً وعسكرياً، تمهيداً لمرحلة ما بعد بشار الأسد، في سباقٍ محمومٍ مع الروس الذين بدأوا التوقيع على اتفاقيات نشر القوات الدائمة في البلاد.
وكشف الخبير الإيراني في الشأن السوري الدكتور (رافي زاده)، عن خطة إيرانية على المدى الطويل للسيطرة على سوريا، سواء بقي بشار الأسد أو رحل، الأمر الذي بات جلياً في دمشق التي تحولت أزقتها القديمة الى مراكز ومستوطنات للمليشيات الإيرانية.
ولم يكتفِ الإيرانيون في محاولات سيطرتهم الطائفية على مدينة دمشق، على صبغ أحياء المسلمين السنة بصبغتهم الشيعية، فتجاوزوها إلى الأحياء ذات الغالبية المسيحية في المدينة التي بدأت تتعرض الى مختلف صنوف ومحاولات تهجيرهم.
المسيحيون في تلك الأحياء عانوا من المدّ الإيراني، لكن بطريقةٍ مختلفةٍ عن القصف والتدمير، فأخذ تهجيرهم منحى الفساد الأخلاقي الذي زرعه النظام ومن خلفه الإيرانيين في وسط أحيائهم التي تحولت الى مرتع للفساد والانفلات الأمني بعد تقطيع ما تبقى من دمشق القديمة الى مربعات أمنية يسيطر على كل منها فصيل إيراني، يمنع حتى على الدمشقيين التجول فيها بحرية لأسباب أمنية، الأمر الذي يفسر حصر البارات والملاهي الليلية أكثر من أي وقت في الأحياء ذات الأغلبية المسيحية.
لماذا تم السماح لهذه المنشآت
بهذا المشهد بات (الطريق المستقيم) ذو القداسة الخاصّة، ولاسيما المنطقة المحصورة من القوس الروماني الى باب شرقي، ممتلئاً بأماكن اللهو والمجون والبارات والملاهي الليلية، ما اعتبره من تبقى من سكان المنطقة من المسيحيين سعياً إلى تهجيرهم.
وحول هذه المحاولات التي تطال المسيحيين، قال الخبير السياحي “غسان شاهين” إنّ هذا “المكان المقدس بتناغم مآذن الجوامع وأجراس الكنائس وبالتعايش والتآخي المسيحي الاسلامي ومن هنا فإن هذه الميزات هي بمثابة أمانة في أعناقنا تفرض علينا الحفاظ على قدسية المنطقة“. وأوضح شاهين، في حديثٍ متلفز مع قناة تيلومير، أن ما نشهده اليوم بدءاً من القوس الروماني وعلى مسافة 300 متر وصولاً إلى حارة الزيتون من انتشار لـ “المنشآت السياحية” لا يمكن تسميتها بسياحية لأنها ليست اخلاقية ولا تمت للأخلاق بصلة لأن ما نراه في ساعات متأخرة من الليل ومع طلوع الفجر عند أبواب النوادي الليلية أمر مخيف ولا يمت لقيمنا بصلة. وتساءل شاهين، لماذا تم السماح لهذا المنشآت بأن تمارس عملها بجرأة ولماذا لم يصار الى فتح منشآت خارج الطريق المستقيم أي خارج مساحة ال 300 متر.
ما يجري ليس وليد الساعة …لماذا تُحتلُ دمشق القديمة؟
من جانبها، ترى الدكتورة سميرة مبيض أن التواجد الايراني الحالي هو امتداد لتواجد فعلي مرتبط بالنظام منذ تمكّنه من مقاليد الحكم في سوريا، وتمحورت حوله الكثير من سياسات النظام المتعلقة بالسوريين المسيحيين.

واعتبرت الدكتورة سميرة مبيض في حديثٍ لـ “كلنا شركاء” أن من ينظر إلى الخارطة السكنية لدمشق يلاحظ أن ما يحدث اليوم ليس وليد اليوم ولا البارحة فالمناطق ذات الغالبية المسيحية في دمشق لم يسمح لها بالتوسع المتصل مكانيا خلال فترة الخمسين عاما الماضية وذلك ضمن تخطيط ممنهج يهدف بالدرجة الأولى إلى عزل هذه المناطق وعدم تنظيم مناطق العشوائيات المحيطة بها وتهجير داخلي للمسيحيين بعيداً عنها.
وقالت إنه لفهم هذه الرغبة الحثيثة باستملاك دمشق علينا العودة حتما للتاريخ الديني وللرمزية التاريخية للمنطقة فمنطقة باب توما وباب شرقي هي ذاكرة حية وإرث إنساني ذو خصوصية قصوى لأديان المشرق، فالشارع المستقيم عنوان صريح ذكر بالإنجيل وارتبط ذكره بشاؤول والذي كانت مهمته محاربة المسيحية ثم أصبح من أهم المبشرين بها ومؤسسين كنائسها، بولس الرسول.
وأضافت مبيض أن الأمر يرتبط بمعتقدات مستقبلية متداولة بكثرة وقد يؤمن بها كثيرون حول صراع منتظر بين الخير والشر على بوابات دمشق الشرقية وباتت بسببها هذه المناطق تحمّل بشكل مستمر امتداداً لصراعات لم تحط وزرها قط ولم تنته زمنيا بعد، حيث تحمل هذه المناطق رمزية صراع حضارات أيضاً فمن باب شرقي كان دخول الجيوش العربية الإسلامية إلى دمشق حيث التقى جيش خالد ابن الوليد مع جيش أبي عبيدة بن الجرّاح والذي دخل من باب الجابية عند المئذنة البيضاء وهي موقع الكنيسة المريمية اليوم.
 تهجير
في السياق ذاته، أدانت منظمة سوريين مسيحيون من أجل السلام التجاهل المتعمد لقيم وأخلاقيات المناطق ذات الأغلبية السكانية المسيحية في دمشق وبالأخص في منطقة باب توما التي يشتكي أهلها من تحويل منطقة سكنهم الى مرتع لا أخلاقي رواده من غير أبناء المنطقة ينتهكون حرمتها وأمنها، بحيث بات أهل باب توما يخشون على أطفالهم من التعرض للاعتداء أو الخطف وأصبحوا يتوقون للسفر الى أمكنة أكثر أماناً.

اقرأ: سوريون مسيحيون من اجل السلام تحذر مما يفعله النظام لتهجير المسيحيين في دمشق القديمة
وحذّرت المنظمة في بيان لها قبل أيام من أنها ترى في هذا التردي الأمني والأخلاقي منهجية متعمدة من قبل نظام بشار الأسد، يهدف منها تهجير من بقي من المسيحيين ودفعهم لبيع بيوتهم وأملاكهم في منطقة دمشق القديمة المحيطة بمناطقهم المقدسة ومنها أقدم الكنائس في العالم مثل كنيسة المريمية وكنيسة حنانيا.
التهجير الممنهج يتم بشراء منازل وممتلكات المسيحيين
وكشف تقريرٌ لقناة (نورسات) اللبنانية والمختصة بشؤون المسيحيين، أن عشرات العائلات المسيحية في دمشق القديمة هاجرت بسبب تحول مناطقهم في الآونة الأخيرة إلى مرتع للمقاهي الليلية والنوادي ولانحطاط القيم والسّلوك الأخلاقي.
والتقت القناة مع كاهن كاتدرائية سيدة النياح للروم الملكيين الكاثوليك، مكاريوس قلومة، الذي روى قصّة هذه الظّاهرة اللاأخلاقية ووصفها بالإرهاب الداخلي وبؤرة الفساد قائلًا: ” لقد اضمحلت القيم في هذه المنطقة ولقد اندثرت الحضارة الأثرية العالمية وتحولت الى بؤرة للفساد“.
وأضاف: “نحن نعلم أن هناك تهجير مسيحي ممنهج إن كان بشراء الأراضي أو البيوت أو الممتلكات، أدى إلى هجرة العديد من الناس إلى دول أكثر أمانًا، لكننا لن نقبل بأن تتهجر البقية الباقية فعل عوامل السكر والفساد بعد أن صمدت وصبرت طوال السنوات الست من عمر اﻷزمة السورية”.
التهجير ليس بجديد على الدمشقيين الذين أجبروا على الهجرة من أحياء المالكي وأبو رمانة إلى الريف
واعتبر رجل الأعمال السوري المعارض محي الدين الحبوش أن ما يجري على الدمشقيين ليس جديد، وقال أن المدّ الفارسي بدأ منذ سنوات يأخذ منحى شراء العقارات من سكان دمشق، الذين يسعون للحصول على أموالٍ تساعدهم بالهجرة والهرب من واقع الحرب والتضييق الأمني الذي يعيشونه.
وقال في اتصال مع (كلنا شركاء) ان تفريغ دمشق والسيطرة عليها بالكامل والتغيير الديموغرافي هو قرار إيراني بمساعدة النظام وأزلامه، مطالباً جميع أطياف وفسيفساء وطوائف دمشق بالوعي بأن ما يحصل لن يقف عن مناطق السنة وسوف يطال المناطق المسيحية.
وقال أيضاً إن تشجيع المسيحيين على الانتقال من أحيائهم في باب توما والقصور وشارع حلب إلى منطقة جرمانا وإغرائهم بأسعار خيالية لمنازلهم مقابل اسعار رخيصة في جرمانا؛ حلقة في مخطط الهيمنة الشيعية على العاصمة دمشق.

وأشار حبوش إلى أن النظام في دمشق يعزف على وتر الأقليات ويدعي حمايتهم، بينما تشير الوقائع إلى أنه يحتمي بهم، مؤكداً أن سياسة التشييع العقاري القديمة الجديدة لا تقتصر على السنة بل ستطال باقي الطوائف على الارض السورية، “إنه مخطط فارسي–أسدي كان النظام يعمل عليه من قبل الثورة“.
وقال: إننا كنواب مستقلين تنبهنا لهذا المخطط منذ بدايته، وحاولنا في ظل القبضة الأمنية للنظام التصدي لبعض مفرزات المخطط ومنها قانون الاستملاك لكن لم تكن جهودنا قادرة على فرملة المخطط برمته.
وتابع رجل الأعمال السوري : إن سياسة الترغيب والترهيب ومن خلال أذرع النظام من رجال الأعمال استطاعوا تحويل بعض المناطق مثل حي الامين وباب توما وباب شرقي ومنطقة الاموي والعمارة الى مستوطنات شيعية بعد ان فرغتها من سكانها الأصليين تارة بذرع البارات والملاهي في بعض مناطقهم لإجبارهم على الرحيل، وتارة زرع عناصر ميلشيات حزب الله وأبو الفضل العباس لمضايقة الأهالي وبالتالي الرحيل للريف الدمشقي، تماما كما فعل النظام حين وصل للسلطة مع أهالي المالكي وأبو رمانة في دمشق وهجرهم إلى الريف الدمشقي.
كيف بدأت عملية شراء العقارات؟
مراقبون اعتبروا أن عملية شراء العقارات وتحويلها للإيرانيين ليست محصورة برجال الأعمال والسماسرة السوريين المواليين للنظام، بل يتم ذلك بشكل مباشر عبر رجال أعمل إيرانيين.
وأشار تقرير اعلامي نشره موقع (اقتصاد) ان عملية شراء العقارات بدأت منذ استلام بشار الأسد للسلطة في سوريا عام 2000، حين اتخذت محاولات التشييع منحىً مختلفاً مع عهده، تمثل بدخول رجال أعمال شيعة من غير السوريين، ومدهم بكل الامتيازات للسيطرة عبر المشاريع العقارية، الإيرانيون.
وكان النظام منح رجال الأعمال، الكويتي، عبد الحميد الدشتي، أراضٍ واسعةٍ حول منطقة السيدة زينب بدمشق في العام 2008، بحجة أنه يريد تنفيذ مشاريع استثمار عقاري للسوريين، إلا أنه حتى تاريخه لم ينفذ شيئاً من هذه المشاريع.
ويضيف التقرير ان إيران استطاعت خلال الخمس سنوات السابقة، أن تسيطر على مجمعات عقارية كبيرة داخل دمشق في المناطق المحيطة بالأماكن التي تعتبرها مقدسة على وجه الخصوص.

اقرأ:
ميليشيا (النجباء) العراقية تعلن: حلب (شيعية)




المصدر: الزحف الإيراني يتجاوز (السنة) ويدق أبواب المسيحيين بدمشق

انشر الموضوع