الدبلوماسي بشار الحاج علي لـ (كلنا شركاء): التهميش كان نصيب الدبلوماسيين كما الضباط المنشقين

إياس العمر: كلنا شركاء
منذ اندلاع الثورة السورية انحاز عدد من الدبلوماسيين السوريين إلى الشعب السوري وانشقوا عن نظام بشار الأسد، ومع ذلك كان هنالك غياب للدبلوماسيين السوريين عن المؤسسات الثورية.
الدبلوماسي المنشق عن النظام بشار الحاج علي، أحد هؤلاء الدبلوماسيين المنشقين منذ فجر الثورة الأول، وكان شغل عدداً من المناصب في الخارجية السورية، منها الملحق الدبلوماسي في السفارة السورية في برغاد، والمكلف بشؤون القنصلية في سفارة سوريا في دولة الكويت.
ويرتبط الحاج علي بصلة قرابة مع رئيس مجلس الوزراء السوري الأسبق محمود الزعبي، الذي قتل في ظروف غامضة قبيل استلام بشار الاسد للسلطة في سوريا عام 2000، فالزعبي هو خال بشار الحاج علي.
“كلنا شركاء” التقت الدبلوماسي الحاج علي، وأجرت الحوار التالي معه :
في البداية انت كنت من اوائل المنشقين عن نظام الاسد ماهي الاسباب وراء ذلك وهل قضية مقتل رئيس الوزراء السابق محمود الزعبي كانت احد الدوافع وراء ذلك؟
لم أتردد لحظة في اتخاذ القرار الذي يعبر عن إرادتي وانتمائي ‘لى المطالبين بالكرامة والحريّة. عند اندلاع الثورة، لم أكن في درعا، بل كنت في ليبيا بمهمة لإجلاء الرعايا السوريين منها نتيجة الأحداث آنذاك، عدت في ٢٥ آذار ٢٠١١، وكانت المفاجأة التي أبكتني، وأول ما نطقت به شفتاي كانت أنا مع الثورة ولو كلفني ذلك حياتي، وشعرت حينها ان النظام لديه مِن الغرور ما يكفي لرفضه اي حلول غير الحل العسكري، وكانت الدلائل تشير إلى إنه أراد ان يلقن السوريين درسا في درعا أقسى من درس حماة.
ومن خلال مشاركتي في تشييع شهداء مدينة ازرع (شهداء الجمعة العظيمة) في نيسان ٢٠١١، شهدت إطلاق الرصاص الحي على القادمين للمشاركة في التشييع عند الجسر الكائن بين مدينتي ازرع والشيخ مسكين.
ومن الأسباب الاخرى إصرار جميع من التقيتهم من زملائي في وزارة الخارجية على التخوين واتهام أهلنا بالمؤامرة.
وأثناء عملي في السفارة السورية في الكويت لاحظت إصرار الزملاء على معاملة السوريين بتمييز، موالون مرحب بهم، ومندسون تعرقل أمورهم، وأحيانا فقط كونهم من أحد المناطق الثائرة، حتى صار حديثهم عن (دبلوماسي مندس).
اما بالنسبة لمحمود الزعبي رئيس مجلس الوزراء الأسبق، أعتقد أنه كان اول شهداء الكرامة السورية، وكان قتله سببا كافيا لاندلاع الثورة حينها.
كيف تنظر للدبلوماسية السورية اليوم وهل مازال هنالك سلك دبلوماسي فاعل في سوريا؟
الدبلوماسية بشكل عام تكون فاعلة في ظل دولة فاعلة، دولة مؤسسات، دولة صاحبة قرار وسيادة، وهذا لا يتوفر في ظل السلطة الحالية، ومن السخرية التحدث عن دبلوماسية سورية فاعلة، في حين مِن يتحدث ويعلن مواقف نيابة عن هذه السلطة قد يكون موظفا صغيرا في الخارجية الروسية غالباً، وأحياناً مسؤول إيراني.
بالمقابل ما هو دور المنشقين عن سلك الدبلوماسي في الثورة السورية وهل نجحتم بأن تكونون ممثلين لتطلعات الثوار؟
لا يخفى على أحد أنه لم يعط الدبلوماسيين المنشقين اي دور مهم في هيئات الثورة، بدءا بالمجلس الوطني، ثم ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، لكن في الهيئة العليا للمفاوضات يوجد بعض الزملاء.
هذا لم يمنعنا من بذل جهودنا في دعم الثورة بدءا من تشكيل تجمع الدبلوماسيين المنشقين وكان نواة تشكيل تجمع العاملين بالدولة، وتشكيل هيئة الشؤون الخارجية والدبلوماسية التابعة للحكومة المؤقتة.
إلا أنه تم تهميشنا عن صلب عملنا، ولو قيض لنا ان نضطلع بدور أكبر لوجدتنا عند تطلعات الشعب وخير المدافعين عن قضيتنا، وكما تم تهميش الكثير من الضباط المنشقين تم تهميش الدبلوماسيين ولَم يتم الاستفادة من خبراتهم وتجربتهم.
كيف تنظر لتطورات المباحثات الامريكية الروسية ولاسيما عقب انهيار وقف الاعمال العدائية؟
من الواضح للجميع أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تسعيان لإدارة الأزمة السورية -كما يسمونها- لتحقيق مصالحهما وليس لحل القضية السورية، ومن الطبيعي ان لا تكونان متفقتين فلكل منهما مصالحه، والذي يجعل منهما تبدوان متفقتين هو الاستحقاقات المترتبة على كل منهما، فمن الضروري حدوث تقدم ولو بسيط، يتم تقديمه كإنجاز للإدارة الامريكية الديمقراطية المقبلة على انتخابات رئاسية.
وبنفس التوقيت هناك اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا الشهر، ولا يمكن ان تأتي الدولتين الأهم صفر اليدين امام القضية الأهم عالمياً.
هذا ما دفع الطرفان لإعلان اتفاق هدنة (وقف الاعمال العدائية) وهي كلمة مطاطة في ظل السماح للروس والنظام بقصف من يصفونه بالفصائل الاسلامية، وبرأيي هي إنجاز وهمي، ولا إرادة حقيقية لتنفيذه.
من وجهة نظرك ما هو السبب الحقيقي وراء صمت المجتمع الدولي عن جرائم بشار الاسد من استخدام الاسلحة الكيمائية مرورا بالبراميل المتفجرة وصولا لاستهداف قوافل الهلال الأحمر؟
السبب الأول هو استراتيجي للسياسة الدولية في المنطقة بشكل عام والغربية الامريكية بشكل خاص، وهو إشعال حرب طائفية تستنزف المقدرات والشعوب، وتحرف ثورات الربيع العربي عن هدفها، في الوصول الى الحرية والتنمية وامتلاك القرار.
والسبب الآخر، هو بنيوي يعود لبنية التنظيم الدولي الذي بني على أعمدة هي الخمسة الكبار (الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن)، وتستند هذه الأعمدة على أركان كمنظمة الامم المتحدة والأحلاف العسكرية والمنظمات الإقليمية ك الاتحاد الأوربي وجامعة الدول العربية.
ولتعزيز سيطرة هذه القوى كان لابد من زرع أوتاد في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية، أحد هذه الأوتاد هو النظام الطائفي للسلطة الحاكمة في سوريا واجهزته الأمنية، هذا يعني ان نظام بشار الأسد ما هو إلا أحد أجهزة التنظيم الدولي ولَم يكن يوما وطنيا بل عبارة عن وكيل لأجهزة الاستخبارات الدولية ويتمتع بحمايتها.
وهل تعتقد أن المجتمع الولي يعمل على إعادة تأهيل نظام بشار الاسد؟
المجتمع الدولي إن جاز التعبير يدرك ويعي تماماً أن نظام القبضة الأمنية سقط منذ إسقاط تمثال حافظ الأسد في درعا وكسر حاجز الخوف بلا عودة.
لهذا هو يستغل وجود هذه السلطة الحاكمة لتنفيذ المخططات الأكثر قذارة والتي لا يمكنه تنفيذها بشكل مباشر، لاعتبارات تراعي الرأي العام الشعبي لديهم وعدم التضحية باي مواطن عسكري من دولهم.
كما أن إطالة الأمد لهذه السلطة هو بمثابة رسالة واضحة بل شديدة الوضوح، تفيد بأن على شعوب المنطقة أن ترضخ لأنظمة الحكم الحالية وعدم التفكير بالتغيير. وإليكم الشعب السوري الدرس الأكثر قساوة عبر التاريخ، وهذا الدرس يتم إعادته يوميا من خلال التركيز عبر وسائل الاعلام على الفظائع اليومية دون محاسبة مرتكبيها.
وأما محاولة الإيهام بالتعويم وإعادة انتاج النظام ما هي إلا محاولة للقضاء على روح الثورة ودفع الثوار لليأس والتطرف ومن ثم القضاء عليهم.
في الختام هل تعتقد أن ابناء مدينة خربة غزالة المهجرين منذ ثلاثة سنوات من مدينتهم دفعوا ثمن مواقف الضباط والدبلوماسيين من أبناء المدينة الذين قرروا الانشقاق عن النظام.
لا شك ان أهالي مدينتي خربة غزالة عانوا الكثير من جراء حرمانهم بيوتهم وأرضهم منذ ما يقارب الأربع سنوات، إلا أنهم لم يقبلوا الشروط والمصالحات المذلة مع النظام للعودة، وقد يكون أحد أسباب معاناتهم هو وجود نسبة كبيرة من المنشقين، إلا ان السبب الأهم على ما اعتقد هو توافق دولي على عدم سقوط مركز المحافظة درعا بأيدي الثوار وحماية الطريق الدولي.
وهذا ما جعل من عودة الأهالي صعبة حاليا بسبب هذه المعادلة: عدم قبول المصالحة المهينة وعدم إمكانية تغيير التوافق الدولي.
وعلى كل الأحوال سيعود أبناء مدينتي خربة غزالة رافعين رؤوسهم مع عودة سوريا للسوريين وإخراج المحتلين والعملاء، موعدنا سوريا الحرة قريبا.
اقرأ:
اللواء محمد الحاج علي لـ (كلنا شركاء): روسيا تحتل سوريا ودورها بات رئيسياً فيها


المصدر: الدبلوماسي بشار الحاج علي لـ (كلنا شركاء): التهميش كان نصيب الدبلوماسيين كما الضباط المنشقين