مارس 29, 2024

كلنا شركاء: الشرق الأوسط

عد أن أسدل مهرجان تورنتو الستار على دورته الأخيرة في الثامن عشر من الشهر الماضي، فتح السينمائيون والمعنيون من الإعلاميين والنقاد ملفاتهم الخاصة لترتيب أوراق موسم ساخن آخر كان انطلق في ذلك الشهر، ما بين نهاية مهرجان فينيسيا وجوائزه، وبين بداية مهرجان تورنتو ووصولاً إلى نهايته أيضاً.

هي ملفات موزعة بحسب الأسماء الأبرز المتوقع لها أن تدخل سباق الجوائز فتخطف من موسمه ما تستطيع أو تجد نفسها في المحفل الكبير تنشط كسواها، لكنها تخرج في نهاية الأمر من دون أي جائزة تذكر.

هناك المخرجون والممثلون والكتاب والمنتجون والمصوّرون وباقي أصحاب المهن السينمائية، وهناك بالطبع الأفلام. والحكمة هنا تقضي بأن لا يرقص الناقد التانغو مع من يحبذه، بل يتابع ما ينصرف إليه الواقع والخبرة معاً ليأتي تقييمه مبنياً على المعلومات وعلى التجربة وحسن التقدير.

فضيحة

بداية، هناك سينمائي واحد لا يبدو أنه سيشهد هذا العام أي معاملة خاصة، ولا هو متوقع التقاط الجوائز كما عادته (تقريباً) في كل سنة، وذلك بسبب سيل من الفضائح التي خرجت بها صحيفة «نيويورك تايمز» حول تحرشاته المكثّفة في السنوات الأخيرة.

إنه المنتج هارفي وينستين الذي فتحت الصحيفة ملفه الشخصي المخبوء لتجده مليئاً بالتحرش بموظفاته وببعض الممثلات اللواتي حلمن بأدوار سينمائية في بعض إنتاجاته التي عرفت بنجاحاتها النقدية سابقاً. ما أوردته الصحيفة لم يكن مقالاً تخمينياً بل تحقيقاً مطولاً جرى توثيقه بمقابلات مع الكثيرات من النساء الذين وصفوا طريقته المثلى لإغوائهن. معظمهن هرب من الباب الذي جاءت منه والبعض منهن كتبن للصحيفة ما حدث فوثّقته في تحقيقها المنشور قبل نحو أسبوع بحيث لم يبق أمام المنتج المعروف سوى التهديد برفع دعوى وتقديم اعتذار منشور يقول فيه إنه أخطأ وإن كان عدد المرات التي أقدم فيها على هذه الجنح ليس بالكم الذي ذكرته الصحيفة.

هارفي وشقيقه بوب كانا رئيسي شركة ميراماكس التي لمعت في العقدين الأخير من القرن الأول والعقد الأول من القرن الحالي مثل «البريء» مع أنطوني هوبكنز وإيزابيلا روسيلليني و«إبك الوطن الحبيب» مع رتشارد هاريس وجيمس إيرل جونز و«إيما» مع غوينيث بولترو وهذا الأخير خرج بأوسكار أفضل موسيقى سنة 1997 وهو واحد من جوائز عدة، تبلغ نحو 30 جائزة، نالتها أفلامه من محافل دولية.

بالأمس أصدر مجلس إدارة شركة «واينستين كومباني» التي أنشأها هارفي وشقيقه بوب بعدما باعا معظم أسهم «ميراماكس» لشركة ديزني قبل نحو خمس سنوات، بياناً يؤيد فيه قرار هارفي، وهو رئيس مجلس الإدارة، بـ«التغيب لمدة غير منظورة» أو ما يعرف عملياً بالتنحي عن ممارسة أعماله في شركته أو على أي مستوى آخر. أحد الموقعين على البيان المنتج طارق بن عمّار، وهو عضو في ذلك المجلس.

تسعة أفلام عربية

وبعد أقل من 24 ساعة على قيام «الشرق الأوسط» بنشر تحقيقها حول الأفلام العربية المنتدبة لدخول سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبي، صدرت اللائحة الرسمية وفيها كل فيلم من الأفلام الستة التي تناولها التحقيق (نشر يوم الجمعة في صفحة السينما).

هذه الأفلام هي «الشيخ جاكسون» لعمرو سلامة (مصر) و«العاصفة السوداء» لحسين حسن (العراق) و«الإهانة» لزياد دويري (لبنان) و«راتزيا» لنبيل عيوش (المغرب) و«واجب» لأن ماري جاسر (فلسطين) و«آخر وحد فينا» لعلاء الدين سليم (تونس). لكن بالإضافة إلى هذه الأفلام نجد في القائمة الرسمية فيلمين عربيين آخرين، واحد مقدم باسم سوريا والآخر باسم الجزائر.

الفيلم السوري هو «غاندي الصغير» للمخرج سام قاضي الأميركي الجنسية الذي يوفر لمشاهديه هنا عملاً تسجيلياً طويلاً حول الناشط السوري غياث مطر الذي، وعلى حد وصف المخرج، تأثر بغاندي ومارتن لوثر كينغ في دعوته لإحلال السلام إلى أن دفع حياته ثمناً لذلك. وهذا أول فيلم للمخرج قاضي منذ أن قام، سنة 2012، بتحقيق فيلم عنوانه «المواطن» قام ببطولته خالد النبوي حول شاب لبناني حط في نيويورك ليجد نفسه متهماً بما لم يرتكب.

الفيلم الجزائري هو فرنسي التمويل أساساً (الاشتراك الفرنسي المعلن هو لفيلم عاطفي عنوانه «ضربات قلب بالدقيقة» لروبن كامبيللو) بعنوان «الطريق إلى إسطنبول» لرشيد بوشارب. دراما حول فتاة فرنسية تعتنق الإسلام وتلتحق بالمتشددين في سوريا. والدتها التي راعها ما أقدمت عليه تريد الوصول إليها في تركيا قبل أن تجتاز ابنتها الحدود إلى سوريا.

بإضافة هذين الفيلمين لما سبق فإن نصيب السينما العربية من الأفلام المقدّمة لمسابقة أوسكار أفضل فيلم (92 فيلم من 92 دولة) يرتفع العدد إلى تسعة أفلام. أما نصيب نجاح أحدها دخول الترشيحات الرسمية فهو من الشؤون التي لا ينفع التكهن بها الآن لكن الوضع آيل للتبلور حال انتهاء هذا الناقد من مشاهدة الكم الأكبر من الأفلام المتوفرة.

فيلم «الإهانة» لزياد الدويري كان الأول بين أفلام هذه المسابقة الذي عرض للجنة الأكاديمية المصغرة التي ستخرج بعد أشهر بترشيحاتها. وبالطبع لا يفصح أحد من أعضاء اللجنة برأيه مطلقاً فهذا ممنوع عليه. ما يستطيع فعله هو شطب كل فيلم يراه من القائمة ليؤم الفيلم التالي.

من كوريا الشمالية

إذا كانت لجنة الأفلام الأجنبية لديها المهمّة الشاقة لمشاهدة 92 فيلماً من مختلف الثقافات والإنجازات والهموم أيضاً، فإن لجنة الأفلام التسجيلية تجد نفسها أمام أعلى عدد من هذه الأفلام الطويلة التي بانتظارها. في العام الماضي تم كسر الرقم الأسبق إذ بلغ عدد الأفلام التي تقدمت طالبة قبول اللجنة 151 فيلماً (تم قبول 145 منها). هذا العام يبلغ العدد 159 فيلماً.

بطبيعة الحال ينحو الفيلم التسجيلي إلى نبش وطرح القضايا والمسائل السياسية العالقة في أجواء حياتنا. وهذا العام لا يختلف في هذا الوضع. بين هذه الأفلام المبرمجة للمشاهدة ثلاثة أفلام (على الأقل) حول الحرب في سوريا وهي «صرخات من سوريا» وهو من إنتاج محطة HBO و«مدينة أشباح» الذي توفره «أمازون ستديوز» و«آخر رجال في حلب» الذي كان شوهد في مهرجان «صندانس» مطلع هذا العام ونال جائزة لجنة التحكيم الكبرى.

كلها بالطبع تروي البانوراما الشاملة حول الحرب في سوريا وبذلك تنضم إلى «غاندي الصغير» و«الطريق إلى إسطنبول». لكن هذه المأساة المستمرة ليست وحدها التي تجتمع لها أفلام تتنافس لدخول الترشيحات النهائية. هناك مثلاً الموضوع العنصري في الولايات المتحدة بينها فيلمان عن اضطرابات سنة 1992 أحدها بعنوان «دعها تقع» (Let it Fall) والثاني بعنوان LA 92.

والكثير من الأفلام حول البيئة بما فيها فيلم المخرج الصيني آي وايواي «فيض بشري» (Human Flow) الذي أخذ على عاتقه تصوير الوضع المأساوي للمهاجرين واللاجئين حول العالم بمن فيهم اللاجئون السوريون إلى تركيا ولبنان.

اللبناني جورج شمشوم هو أحد المتابعين عن كثب كل ما سبق وروده هنا بحكم أنه رئيس مهرجان «آسيا وورلد فيلم»، وذلك لسبب جوهري يلخصه لـ«الشرق الأوسط» في مكالمة هاتفية على النحو التالي:

«اهتمامي بترشيحات الأوسكار والغولدن غلوبس طبيعي جداً لأن عشرات الأفلام المقدمة إلى هذين المحفلين هي آسيوية يتمنى المهرجان عرضها موفراً لأعضاء الأوسكار والغولدن غلوبس مشاهدتها على الشاشة الكبيرة».

من دون تحبيذ لطرف أو لأي بلد، يواصل المهرجان في دورته الثالثة التي ستبدأ في الخامس والعشرين من هذا الشهر وتمتد حتى الثاني من الشهر المقبل، منهجه في تقديم عشرات الأفلام الجديدة الآتية من القارة الآسيوية وحدها.

فيلم الافتتاح سيكون تركياً بعنوان «أيلا: ابنة الحرب» عن ضابط تركي يجد، في رحى الحرب الكورية سنة 1950، فتاة صغيرة تائهة فينقلها إلى موقعه ويبدأ محاولاته المجهدة في سبيل معرفة من تكون وكيف يمكن إعادتها إلى ذويها. الفيلم هو ترشيح تركيا لأوسكار أفضل فيلم أجنبي أيضاً.

في دورة العام الماضي عرض في مسابقته التي شملت ستة عشر فيلماً «3 آلاف ليلة» للمخرجة مي مصري كاشتراك أردني، و«الكلاسيكو» لحلقوت مصطفى (العراق) و«فيلم كتير كبير» لمير – جان بو شعيا (لبنان) كما «يا طير الطاير» لهاني أبو أسعد (فلسطين). أما باقي أفلام المسابقة (وهناك أقسام أخرى خارج المسابقة) فجاءت من ماليزيا وباكستان وروسيا وكرغستان من بين أخرى. يضيف: «من المبكر قليلاً البوح بكل أفلام الدورة الجديدة. لكن حتى الآن أستطيع التأكيد على أفلام من أذربيجان والصين وباكستان والعراق («العاصفة السوداء») ولبنان («اسمعي» لفيليب عرقتنجي) ونيبال وسريلانكا وإندونيسيا».

المفاجأة التي أطلقها المخرج اللبناني الذي استقر به المقام في لوس أنجليس منذ أكثر من 25 سنة هي استقباله فيلماً من كوريا الشمالية في أوج حرب الأعصاب بين الولايات المتحدة وذلك البلد. الفيلم هو «ملح» لسانغ أوك شِن ويدور حول القتال الذي خاضه الكوريون ضد المحتلين اليابانيين في ثلاثينات القرن الماضي.

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك