أبريل 28, 2024

د. عبد المنعم حلبي: اقتصاد

بعيداً عن السياسة وعدد اﻷضواء الخضراء الروسية واﻷمريكية وغيرها، التي يعتقد أنها أضاءت طريق الدبابات التركية التي توغلت في مدينتي (جرابلس) و(الراعي) ضمن مرحلتي عملية (درع الفرات) اﻷولى والثانية، فإن انعكاسات اقتصادية وعسكرية مرتقبة لهذا التدخل بدأت إرهاصاتها بالظهور على الاقتصاد المحلي لطرفي الحدود السورية التركية، وكذلك على وضع جبهات القتال.
 فمع استمرار مشكلة بوابة كلس الحدودية فيما يتعلق ببطء انتقال سيارات الشحن التجارية إلى الطرف السوري عند النقطة صفر، وارتفاع تكاليف الشحن التجاري التركية، أضف إلى عدم تحسن مستوى التخديم في معبر باب السلامة والهواجس اﻷمنية، كل ذلك أدى إلى المزيد من العراقيل لخط تجاري كان شرياناً اقتصادياً حيوياً على مدى عامي 2014 و2015 والنصف اﻷول من هذا العام، حمل هذا الشريان مليارات من الدولارات ثمناً للمنتجات التركية التي غطت شمال وشرق سوريا إلى الموصل في العراق خلال الفترة المذكورة، وحافظت على نشاط اقتصادي مقبول على طول هذا الخط التجاري، الذي ساعد في تأمين مصادر كسب معيشية لقطاع واسع من قوة العمل المحلية التي كانت وما تزال موطنة في الداخل السوري.
ومع القدرات المحدودة لمعبر (باب الهوى) المخدم الآخر للمنتجات التركية العابرة لمختلف المناطق السورية وغيرها، فإن انعكاسات سلبية يتوقع أن تتفاقم فيما يتعلق بسيرورة وإيرادات النشاط الاقتصادي في هذه المناطق قد تؤدي إلى موجات جديدة من اللاجئين، باتجاه الجنوب التركي المتأثر سلباً أصلاً.
واﻷكثر أهمية من ذلك هو اقتراب طلائع التدخل التركي وحلفائه من الفصائل في الجيش الحر من مدينة (الباب) التي تشكل أهمية استراتيجية قد لا يعرفها الكثيرون بالنسبة لتنظيم الدولة، هذا الاقتراب قد يحمل ضربات لم يصادفها (درع الفرات) التركي والحر في (جرابلس) و(الراعي)، حيث يعتقد أن التنظيم سيخوض من أجلها معركة حاسمة، كما تشير بعض المصادر.
وعلى الرغم من أنه لا يتوقع أن يصمد التنظيم طويلاً فيما إذا رغبت (تركيا) بالسير قدماً نحو مدينة (الباب) مع كثافة القصف الجوي للتحالف الدولي، والمزيد من الحشود العسكرية التركية وتوغلها، إلا أن أسئلة يمكن أن ترشح في حال بدء أرقام الخسائر التركية بالارتفاع حول الفائدة الاقتصادية والسياسية التي تحققها تركيا من هذه المعركة في ظل تكبيل يديها في مواجهة خصمها اللدود (حزب العمال الكردستاني) وعدم توفر اﻷضواء الخضراء نفسها نحو مناطق سيطرة واجهته الكردية السورية (قوات حماية الشعب YPG) أو واجهته السورية الموسعة المسماة (قوات سوريا الديمقراطية)، ولاسيما أن الحكومة التركية تعرف أن مواجهة هذا الحزب يجب أن يكون الهدف المنظور الذي يقنع اﻷتراك ويدفعهم لتقديم تضحيات.
 ومع توقف أيام الغزل التي حاول النظام أن يطيل أمدها مع تركيا بقصفه للأكراد إثر التدخل اﻷمريكي المباشر والوساطة الروسية، فإنه يخشى أن يؤدي استمرار انسحاب تنظيم الدولة من أمام القوات الكردية في ريف حلب الشمالي، والتي استولت على مثلث (حربل- ام حوش- الوحشية)، إلى امتداد أكثر خطورة لهذه القوات -المرتاحة من أي جبهات أخرى- في حال تابعت سيرها شرقاً باتجاه (الباب) من خاصرة تبدو رخوة، ليتم وصل الكانتونات الكردية عبر خط (منبج- الباب- تلرفعت) بدل خط (جرابلس- الراعي- اعزاز) الذي سيطرت عليه قوات (درع الفرات)، ليكون أكراد الPYD قد حققوا حلمهم وسيطروا بشكل كامل أيضاً على الخطين التجاريين الحيويين للاقتصاد التركي جنوب البلاد، والذي يعرف العارفون أنه بدوره يسيطر عليه رجال أعمال أكراد في غالبهم.
هذه السيناريوهات ليست بعيدة عن الواقع القريب، وستشكل مضامينها محددات ضاغطة على التدخل التركي في سوريا، لاسيما إذا دخلت تركيا كما سابقيها في نفق اللاعودة، بكل ما يعنيه ذلك من تأثيرات اقتصادية وسياسية ستزداد حدة إذا لم تسر اﻷمور باتجاه حلول وسط تكتيكية، ريثما تحل عقدة الانتخابات اﻷمريكية وتعرف اليد التي ستتحكم بألوان أضواء وخطوط الشرق اﻷوسط.

اقرأ:

الغارديان: تركيا بين نارين.. مساعدة التركمان واعتمادها الاقتصادي على روسيا



المصدر: الحدود الاقتصادية والعسكرية للتدخل التركي في سوريا

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك