مايو 10, 2024

الإيكونومست: ترجمة  مركز الشرق العربي
وكأن الحرب في سوريا لم لديها ما يكفي من متقاتلين، لتدخل دولة أخرى إلى الصراع. في 24 أغسطس أرسلت تركيا دباباتها وطائراتها وجنود من القوات الخاصة عبر الحدود، لإخراج الدولة الإسلامية من جرابلس، المدينة الهامة التي تشكل عقدة مرور للجهاديين.
مهمة تركيا حصلت على دعم من أمريكا، التي تقود تحالفا ضد داعش. ولكنها أثارت مخاوف داخل سوريا، التي أدى القتال المندلع فيها منذ 5 سنوات إلى قتل حوالي 500000شخص. مؤخرا أصبح القتال أكثر فوضوية. تتحرك التحالفات ما بين المجموعات المقاتلة التي لا تعد ولاتحصى في البلاد والدول الداعمة لها بصورة دائمة. ويبدو أن  الوصول إلى اتفاقية سلام أصبح أمرا صعب المنال في الوقت الحالي.
الوضع في الحسكة، في شمال شرق البلاد، مؤشر على تغير المشهد. حتى وقت قريب، كان جيش بشار الأسد، رئيس البلاد الذي سفك الدماء هو من يوجه الميليشيات الكردية وفي بعض الأحيان كان يبدو أنها تعمل معه تماما من أجل مواجهة المتمردين العرب السنة. الأكراد، بدورهم، ركزوا نيرانهم على داعش وحاولوا تشديد قبضتهم على المنطقة التي أعلنوا فيها الحكم الذاتي، والتي يطلقون عليها اسم روجافا، في الشمال. ولكن الحكومة تعرضت لضربة قوية مؤخرا في الحسكة.
يبدو أن القتال الدائر حاليا مرتبط بالعلاقات الأكثر دفئا بين روسيا وإيران (اللتان تدعمان الأسد منذ فترة طويلة) وتركيا (التي لا تدعمه). التوتر بين روسيا وتركيا وصل ذروته في نوفمبر 2015 عندما أسقطت طائرة تركية مقاتلة من طراز إف-16 طائرة روسية اخترقت المجال الجوي التركي. ولكن الانفراج الأخير بين البلدين، إضافة إلى المخاوف التركية بشأن القوة الكردية وإرهاب داعش، غير الديناميكية على الأرض. يقول بن علي يلدريم رئيس الوزراء التركي الحالي بأن الأسد قد يلعب دورا “انتقاليا” في سوريا (بدلا من الحديث على إسقاطه بالسرعة الممكنة).
بدورها، أعربت الحكومة السورية عن عدم الارتياح من تطلعات الأكراد لإقامة دولة لهم. ردد الجيش السوري التصريحات التركية التي تربط ما بين القوة الكردية الرئيسة في سوريا، المعروفة باسم حزب الاتحاد الديمقراطي، مع حزب العمال الكردستاني، الذي يخوض تمردا طويلا مع تركيا. لا يعرف الكثير حاليا عن دور الحكومة السورية في إنشاء البي كي كي، الذي أسسه عبدالله أوجلان، الذي تخلى عن خطته لضم أجزاء من شمال سوريا إلى كردستان الكبرى لاسترضاء رعاته السوريين.
حاولت أمريكا التمسك بمهمتها الضيقة المتمثلة في هزيمة داعش. ولكنها تخاطر في الدخول في صراع أوسع. الضربات الجوية التي نفذتها الطائرات السورية المقاتلة حول الحسكة في 18 أغسطس كانت قريبة جدا من الجنود الأمريكان الذين يدعمون الأكراد في قتالهم ضد داعش. أرسلت أمريكا طائراتها، التي وصلت بينما كانت الطائرات السورية تغادر سماء المنطقة. حاليا هناك دوريات جوية فوق المدينة، حيث تم التوصل فيها إلى وقف لإطلاق النار. قال جيف دافيس المتحدث باسم البنتاغون:” النظام السوري يعلم تماما أنه لا يجب أن يقوم بذلك وأن ذلك يعرضه للخطر”.
دعم أمريكا للأكراد في سوريا أدى إلى سوء علاقتها مع تركيا. الشكوك التركية التي لا أساس لها بأن أمريكا كانت منخرطة في محاولة الانقلاب ضد الرئيس رجب طيب أردوغان في يوليو زادت من حالة عدم الثقة. قال إميل حكيم من معهد الدراسات الاستراتيجية:” لقد اتخذت تركيا قرارا بأن أمريكا ليست في موقع يسمح لها بالحفاظ على مصالحها في سوريا”. وقد ظهر دليل جديد بداية هذا الشهر، عندما حررت مدينة منبج من يد داعش. طمأنت أمريكا تركيا بأن المقاتلين العرب سوف يقودون تحرير المدينة، ولكن البي واي دي كان في الطليعة. والآن يرفض الأكراد مغادرة المدينة.
تراجع الجهاديون من الشمال والشرق باتجاه جرابلس والباب. والآن عيون الأكراد باتجاه الباب، وهو ما سوف يسمح لهم بوصل الأجزاء الشرقية والغربية من روجافا. ولكن كان البعض منهم يأمل في السيطرة على جرابلس. حيث يبدو أن تركيا تريد أن تنشر آلافا من المتمردين السوريين من غير الأكراد هناك. العديد من الأكراد يعتقدون أن المهمة التركية تهدف حقيقة إلى منعهم من الحصول على قطعة أراض متصلة على طول الحدود السورية.
هناك خطر الآن من أن الهجوم التركي سوف يلقى مقاومة كردية، مما سوف يؤلب حليفا أمريكيا ضد وكيل أمريكي في المنطقة. وزير الخارجية التركي، مولود شاويش أوغلو حذر الأكراد من عبور شرق الفرات. و قال:” أعطت أمريكا كلمتها بانهم سوف لن تقوم بذلك. عدا ذلك فإن تركيا سوف تبذا ما في وسعها” وذلك في مؤتمر صحفي في أنقرة. نائب وزير الخارجية الأمريكي جو بايدن، حذر من أن البي واي دي تخاطر في خسارة الدعم الأمريكي إذا لم تتمثل لمطالب تركيا.
وفقا لتقارير تركية، فإن القوات الكردية بدأت بالتحرك، ولكن إن تم ذلك فعلا، فإن الأمر لن يمر بهدوء. قال صالح مسلم، زعيم البي واي دي على التويتر:” سوف تخسر تركيا الكثير في المستنقع السوري”. وقال أيضا أنه “مستعد للدفاع عن البلاد ضد أي خطط أو احتلال مباشر أو غير مباشر”.
تحركات تركيا أدت إلى إثارة المخاوف في حلب، التي كسر المتمردون الحصار عنها بداية هذا الشهر. بعضهم يخشى من أن تركيا، واحتراما لداعمي الأسد، سوف توقف دعمها. قال ناشط محلي:” إننا بحاجة إلى خطوط الإمداد هذه إلى تركيا من أجل إبقاء الطريق مفتوحا. وإلا فإن الأمور سوف تسوء أكثر بالنسبة للمدنيين فيما يخص قطع الغذاء والماء والدواء”. الجهود للوصول إلى وقف لإطلاق النار أصبح أمرا بعيدا المنال. وصف ستفين أوبراين المسئول الإنساني في الأمم المتحدة الأزمة بأنها “قمة في الرعب”.
مثل هذه المعاناة والتقرير الأمم الجديد الذي سوف يوثق استمرار استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، جعلت البعض يأمل بأن أمريكا سوف تتدخل بصورة أقوى من أجل حماية المدنيين ومعاقبة النظام. ولكن ربما يفيد ذلك جماعات مثل جبهة فتح الشام، التي اعلنت عن فك ارتباطها بالقاعدة (وغيرت اسمها من جبهة النصرة).
في هذه الأثناء، فإن روسيا، تعمل على تعزيز وجودها ليصبح أكثر ديمومة في المنطقة، وذلك من خلال جعل قاعدتها الجوية في اللاذقية دائمة والعمل بصورة أوثق مع إيران. لقد أصبح الشرق الأوسط ” منصة للطموحات الروسية في القرن الواحد والعشرين لتصبح قوة عظمى”، كما قال دميتري ترينن، مدير مركز كارنيغي في موسكو. ولكنها محاطة بحلفاء ماكرين. مباشرة بعد أن تفاخرت روسيا في 16 أغسطس بأنها شنت هجمات جوية في سوريا انطلاقا من الأراضي الإيرانية، أوقف المسئولون الإيرانيون هذه الطلعات. وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان وصف روسيا بأنها تمارس “الرياء”. 
اقرا:
     الإيكونومست: سوريا تحترق في رعب لا ينتهي



المصدر: الإيكونومست: أرض المعركة في سوريا أصبحت أكثر تعقيدا

انشر الموضوع