أبريل 28, 2024

شهدت محاور تركيز العمليات القتالية البرية تغيراً هائلاً منذ نهاية الحرب الباردة. وبات عدد قليل نسبياً من العمليات الآن ينطوي على هزيمةِ قوةٍ مناظرة من الناحية التقنية والعقائدية، انتهاءً بالغزو أو السيطرة على أرض الخصم. ومع ذلك يظل التحضير والاستعداد لهذه العمليات أمراً مهماً، إلا أن فروع القتال البري أصبحت لديها مجموعة من الأولويات الأخرى أيضاً، بعضها (ومنها عمليات مكافحات التمرد والعمليات الشُّرطية) تعود أصوله إلى جذور التنظيم العسكري الحديث.

السؤال هنا: كيف سيبدو ميزان القوة القتالية البرية في عام 2030، على الأرجح بعد مزيد من الحروب على الإرهاب وحروب إعادة توحيد روسيا؟ إليك المزيد عن هذه الفكرة، كما أوردتها مجلة The National Interest الأمريكية.

لماذا هذه الدول؟

تظل التنبؤات صعبة، خاصة فيما يتعلق بالمستقبل متوسط المدى إلى البعيد، ومع ذلك فإن بعض الأسئلة البسيطة بدرجةٍ ما، يمكن أن تساعد في إلقاء الضوء على موضوع تحليلنا. وهناك ثلاثة أسئلة رئيسية، على وجه الخصوص، تمثل القوة الدافعة وراء تلك الدراسة، وهي:

• هل يمتلك الجيش إمكانية الوصول إلى الموارد الوطنية، التي تضم قاعدةً تكنولوجية مبتكرة؟

• هل يحظى الجيش بدعمٍ كافٍ من السلطات السياسية دون المساس باستقلالية تنظيمه؟

• هل يُتاح للجيش التعلم من تجارب ميدانية على الأرض؛ بمعنى هل لديه الفرصة للتعلم والابتكار في ظروف واقعية؟

إذا اعتمدنا تلك الأسئلة، فإن أبرز القوات القتالية البرية في عام 2030 ستُماثل إلى حدٍّ كبيرٍ الجيوش الأشد فتكاً بالفعل اليوم، مع ربما اثنين من التغيرات المهمة.

الهند

يتأهب الجيش الهندي للوقوف إلى جانب نخبة القوات القتالية البرية في العالم. فقد تعامل خلال السنوات الماضية، مع عمليات قتالية متنوعة عبر طيفٍ متفاوت الشدة، شمل مواجهة التمرد الماوي في الداخل والمقاومة المدعومة من باكستان في كشمير، إلى جانب مجموعة متنوعة من عمليات قتالية أخرى أصغر حجماً. وفي الوقت نفسه، لا يزال الجيش الهندي محافظاً على جاهزيته؛ استعداداً لأي عمليات قتالية مكثفة في مواجهة باكستان، وذلك بعد أن أقرَّ منذ زمن طويل، بالحاجة إلى تدريب قتالي واقعي لقواته. وإجمالاً، ساعدت هذه التجارب في شحذ قوة الجيش الهندي ليصبح أداة فعالة لسياسات نيودلهي الخارجية والمحلية.

وفي حين أن معدات الجيش الهندي ظلت فترة طويلة متخلفةً عن منافسيها بدرجات كبيرة، فإن الهند باتت الآن تتمتع بإمكانية الوصول إلى عالم التكنولوجيا العسكرية الحديثة بكامله تقريباً. إذ تبيع كل من روسيا وأوروبا وإسرائيل والولايات المتحدة منتجاتها للهند، لتجبر بذلك أي نواقص في المجمع الصناعي العسكري المحلي المتنامي بالفعل.

فرنسا

من بين جميع الدول الأوروبية، تظل فرنسا الأرجح بأن تحتفظ بالجيش الأعلى قدرات والأشد فتكاً في المستقبل. يرجع ذلك بالأساس إلى التزام فرنسا بأن يظل لها دور رئيسي في السياسة العالمية، وإيمانها بضرورة حيازتها قوات برية فعالة للاضطلاع بهذا الدور. ومن المتوقع أن يستمر هذا في المستقبل، وربما حتى يتسارع مع تولي فرنسا سيطرة أكبر على المنظومة العسكرية والأمنية للاتحاد الأوروبي.

إلى جانب ذلك، لا يزال المجمع الصناعي العسكري في فرنسا قوياً، سواء أكان على الصعيد المحلي أم كان على صعيد التصدير. إذ يمتلك الجيش معدات قيادة واتصالات حديثة، ويوفر العمود الفقري للمعدات التي تستخدمها معظم قوات الاتحاد الأوروبي متعددة الأطراف.

ومن جهة أخرى، يتمتع الجيش الفرنسي بخبرة كبيرة في العمليات القتالية البرية من مستويات الشدة المنخفضة إلى المتوسطة في الطيف القتالي. وقد خدم في ساحات أفغانستان وشمال إفريقيا فيما يُعرف بالحرب على الإرهاب، مستخدماً قوات نظامية وقوات نخبة لدعم السكان المحليين وهزيمة قوات معادية غير نظامية. كما أن الطبيعة الهيكلية والمهنية للجيش الفرنسي تتيح له الانتشار بسهولة عبر مجموعة واسعة من الأراضي وميادين القتال.

روسيا

مر الجيش الروسي بتحولٍ مؤلم مع نهاية الحرب الباردة، فقد انقطع وصوله إلى كثير من موارده ونفوذه السياسي وقواه البشرية. وانهار المجمع الصناعي العسكري الذي لطالما دعم الجيش الأحمر شيئاً فشيئاً، تاركاً للجيش معدات قديمة وسيئة الصيانة.

لم يتغير كل شيءٍ الآن، لكن بعض الأشياء تغيرت حقاً. فقد سمحت التحسينات في الاقتصاد الروسي بمزيد من الاستثمارات في قوة الجيش. وساعدت الإصلاحات، خاصة في قوات النخبة، روسيا على كسب الحرب في الشيشان. في عام 2008، انتصر الجيش الروسي انتصاراً سريعاً على جورجيا، وفي عام 2014 قاد الاستيلاء على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا. قد نسمي هذه العمليات القتالية حروبَ [إعادة توحيد روسيا]، وهي جزء من صراع، على الأرجح لم ينته بعد.

سيبقى الجيش الروسي قوةً فتاكة في عام 2030، إلا أنه مع ذلك سيواجه تحديات خطيرة. فقد يصبح الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة مشكلة أصعب في المستقبل. فقد انتهت أخيراً توابع انهيار المجمع الصناعي العسكري السوفييتي، تاركةً نظاماً للابتكار والإنتاج يكافح على أكثر من جانب. كما أن القوى العاملة قد تكون مشكلة أيضاً، إذ يبدو الجيش عالقاً بين نموذج التجنيد القديم (المدعوم من عدد متناقص من السكان)، ونظام المتطوعين الذي يجعل قوات النخبة خاصة جداً. ومع ذلك، سيستمر جيران روسيا في التخوف من حجم وقدرات الجيش الروسي، خاصة فيما يسمى بعمليات القتال “الهجينة”، التي تمزج بين الحروب التقليدية ومفاهيم الحروب غير النظامية، حروب العصابات وغيرها، إلى جانب الحروب الإلكترونية حالياً، لفترة طويلة.

الولايات المتحدة

يمثل جيش الولايات المتحدة النموذج المثالي لقوات القتال البرية منذ عام 1991 على الأقل. وتظل مواجهة الجيش العراقي في عام 1991، والتدمير الكامل للجيش نفسه في عام 2003، “مصدر الفخر” الأكبر للجيش الأمريكي على مستوى عمليات القتال البري عالمياً منذ نهاية الحرب الباردة. وعلى مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، واصل الجيش الأمريكي عملياته الميدانية في العراق وأفغانستان، ووصلت الشركات الخاصة المتعاقدة معه إلى ميادين أوسع نطاقاً بكثير.

وفي حين أن بعض المعدات التي يستخدمها الجيش الأمريكي لا تزال تعود إلى الحرب الباردة، فقد خضعت جميع هذه المعدات تقريباً لسلسلةٍ من التحسينات والتعديلات لجعلها ترقى إلى مستوى معايير الحرب الحديثة المختلطة المتشابكة بين أفرع القوات المختلفة.

علاوة على ذلك، يمتلك الجيش الأمريكي خمسة عشر عاماً من الخبرة القتالية فيما يُعرف بالحرب على الإرهاب. ومن المؤكد أن هذه التجربة تنطوي على مخاطر، ليس أقلها الإرهاق التنظيمي. ومع ذلك، فإن أرجح الاحتمالات أن يظل الجيش الأمريكي أبرز قوة قتالية برية بالعالم في عام 2030، وليس بفارقٍ ضئيل.

الصين

منذ أوائل التسعينيات على الأقل، انخرط جيش التحرير الشعبي الصيني في عملية إصلاح شاملة لقواته البرية. ومع بدء الإصلاحات، أصبح الجيش الصيني منظمة تجارية بقدر ما أصبح منظمة عسكرية، إذ سيطر على مجموعة واسعة من الشركات الصغيرة.

بدأ هذا الوضع في التغير مع نهضة الاقتصاد الصيني في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ومع وصول الجيش إلى مزيد من التمويل وقطاع التكنولوجيا المبتكر بدرجة متزايدة، بدأ العنصر المركزي للجيش في تقليص حجمه وإصلاح نفسه، ليصبح منظمة عسكرية حديثة.

شملت عمليات الإصلاح للجيش مشروعات ضخمة لتحديث المعدات، وتدريبات ميدانية واقعية، وخطوات عازمة على تحويله إلى قوة احترافية. وفي حين أن جيش التحرير الشعبي لا يتمتع بمستوى التمويل ذاته الذي يتمتع به الجيش الأمريكي، إلا أنه يتمتع بإمكانية الوصول إلى قوة بشرية غير محدودة تقريباً، ويسيطر على مواردَ أكبر من أي جيش آخر في العالم تقريباً. الشيء الوحيد الذي يفتقر إليه الجيش الصيني هو حروب ميدانية حقيقية، إذ لم يخض عمليات قتالية حية منذ الحرب الصينية الفيتنامية، ولم يكن له دور في الصراعات الكبرى في هذا القرن، ولا يوجد سبب لاعتقاد أن الاتجاهات الحالية في تحديث الجيش الصيني وإصلاحه ستتراجع عن خطواتها في السنوات الـ15 القادمة.

“كيف نبني جيشاً قوياً”؟

في النهاية، تظل الإجابات عن سؤال “كيف نبني جيشاً قوياً؟” بسيطةً على نحو قاسٍ في وضوحها. والكفة في ذلك تميل إلى الدول التي لديها إمكانية الوصول إلى سكان متحمسين للخدمة وتمتلك رأس مال بشرياً مرتفعاً، والتي يمكنها الاستعانة بأكثر التقنيات ابتكاراً بالاستناد إلى اقتصادات قوية وحديثة، والتي يمكنها هيكلة علاقاتها المدنية العسكرية باستقلال كافٍ، لكن ليس أكثر من اللازم، فهذه الدول في الغالب هي التي ستؤدي أداء جيداً. ومع ذلك، فانتظار التجربة لن يؤذي، إذ إن بساطة الإجابات لا تعني أن الوصفات سهلة التحقيق على أرض الواقع.

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك