مايو 14, 2024

إياد شهاب: كلنا شركاء
تأخّرت مشاركة المفكّر والمعارض البارز “فهمي هويدي” في ثورة /25/ يناير المصرية، فعاتبه احد شباب الثورة حين شاهده بعد عدة ايام في ميدان التحرير قائلاً: “إنتَ فين من 25 يناير يا استاذ؟!”. فأجابه الهويدي: “إنتَ فين من عشرين سنة!”.
بعد عشرات السنوات التي كرّسها للدفاع عن قيم الحرية والعدل، ضد شمولية النظام وظلمه، وبعد ما عُرف عنه من اعتدال، ضاق الشيخ “معاذ الخطيب” في سورية من منتقديه ايضاً، ووصف اكثرهم بأنهم “من الخارج، ومستريحي الفيسبوك، وجيش من الانتهازيين”، بينما اثنى على داعميه “من المثقّفين . . .، وممن يُعانون في الداخل ويدفعون الضريبة من دمهم”.
يبدو غضب “الخطيب” مفهوماً بعد الانتقادات الكثيرة التي تناولت وهاجمت، وسخرت احياناً من لقائه بنائب وزير الخارجية الروسي “ميخائيل بوغدانوف” الذي جرى في مقر السفارة الروسية بقطر، يوم الثلاثاء 17 اغسطس/آب 2016، فقد اتخذ بعض النقد اسلوب رش الطين بكثير من الإسفاف:
“شيخي شيل زبدية الرز بحليب من ايدك وركّز معي… الشعب يريد اسقاط النظام، مو الشعب يريد اصلاح النظام!!”.
“يريد الإمارة ولو على حجارة”… وغير ذلك الكثير.
ولكن أليست كل تلك الانتقادات مؤشراً على اتجاه لدى الرأي العام، تجب دراسته باعتباره سلطةً غير منظورة قد ترتقي في بعض المجتمعات لتصبح سلطةً خامسة؟.
إن كنا نتفهّم غضب “الشيخ” فهل نوافق عليه؟ يبدو الامر بحاجة الى قراءة في سياقات اللقاء وما تلاه:

استبق “الخطيب” اللقاء بالقول إنه “عُقدَ بطلب من الجانب الروسي”، وذلك يعني عادةً ان لدى الروس شيء يقولونه.. ولذلك كان اول ما سُئِل عنه في لقاءه التلفزيوني الذي تلا اللقاء: ماذا قال “بوغدانوف”؟. كرّرته مُقدمة اللقاء مرتين، فكانت إجابة “الخطيب”: “لا شيء جديد!! الموضوع ‘update’ ” -يقصد تحديث معلومات الاطراف حول الرؤية والمواقف.. ثم سَردَ ما قالوه هم للجانب الروسي، وكأن الروس قد قضوا اللقاء مستمعين!! فهل طلب الروس اللقاء ليستمعوا؟!!. وما الجديد الذي سيسمعونه من “الشيخ” ورفاقه؟.
ذكرت وسائل الإعلام تأكيد المسؤول الروسي التزام بلاده بوحدة الأراضي السورية، وضرورة استئناف المفاوضات، ووجود توافق روسي تركي على منع تمدّد الاقليم الكردي في مقابل قيام انقره بإغلاق الحدود امام من وصفهم “بالإرهابيين”، فما الجديد في كل ما سبق سوى الاتفاق الروسي التركي على ما يخدم تركيا والنظام السوري؟!.
في نفس اللقاء تتساءل الإعلامية عن سبب اختيار الروس “الخطيب” ليقابلوه، دون ان تسمع إجابةً عن سؤالها!، أليس السؤال وجيهاً فعلاً؟.
اختارت روسبا نفس يوم اللقاء بين “الخطيب-بوغدانوف”، لتُصعّد هجومها على المدن والقرى السورية باستخدام طائرات “تي يو 22” و “اس يو 34” التي اقلعت من مطار “همدان” الايراني للمرة الاولى، فهل التزامن بين اللقاء وتصعيد العمليات العسكرية وقصف المدن والقرى السورية، مجرد صدفة!!.

في ضوء ما سبق، الا يحق للبعض ان يظن -وبعض الظن ليس إثماً- ان الروس إنما ارادوا استثمار “الخطيب” من اجل تخفيف النقمة الشعبية العارمة في سورية ضدهم وضد انحيازهم الواضح، الذي يرى فيه السوريون -او اغلبهم-، إطالةً للازمة وتدميراً لسورية بكل مكوناتها؟.
يعتقد مريدو الشيخ انه تنبّه للأمر، فاصدر بياناً بعد اللقاء، طالب فيه بالتهدئة، ووقف القصف الجوي، ورفع الحصار وادخال المساعدات الانسانية، ووجوب اشراك قوى الشعب السوري وثورته في اي اتفاقيات وتفاهمات تتعلق بسورية، والاهم رفض وسم اي جهة سورية بـ “الارهاب”.
لا شك ان ما سبق هام وايجابي، يُحسب للرجل وفريقه، رغم تفويته لفرصة وصف روسيا كقوة احتلال، وهو ما استدركه متأخراً على فيسبوك بالقول: “نعتبر الروس مُحتلّين حقيقيين”، بالإضافة الى تفويته فرصة التأكيد على مرجعية “الهيئة العليا للمفاوضات” باعتبارها الممثل الرسمي للمعارضة السورية في اي مفاوضات مع النظام، وهي اشارة يرى البعض انها كانت ضرورية لمواجهة الاستراتيجية التي مارستها روسيا بكفاءة لشق صفوف المعارضة، قبل وبعد مفاوضات جنيف الماضية.
بالمحصلة، قد يرى مناصرو “الشيخ” في اللقاء، فرصةً لتأكيد ثوابت الثورة، ولكن اتجاهات الرأي العام التي رشحت، تبدو جديرة بالتفكّر ايضاً.
لا نتفق مع الإسفاف في تناول قامةٍ عالية لها تقديرها كالأستاذ “معاذ”، ولا نبرر ذلك حين ندعو الاستاذ لدراسة خطواته وتصريحاته جيداً: فعندما يصدر بيان لقاء “بوغدانوف” باسم “حركة سورية الام” بعد ان كان “الخطيب” قد اكد ان اللقاء معه يتم بصفته الشخصية، يحق لنا ان نتساءل عن هذه الحركة وموقعها من الإعراب في اللقاء، سيزداد الامر غموضاً عندما يتبين ان لا وجود لهذه الحركة على الارض، فهل يحاول “الشيخ” ان يجعل اللقاء حاملاً للحركة؟!! وهل تُعلِن الحركات عن نفسها باللقاءات الديبلوماسية، ام بما تُقدّمه من خدمات واسهامات؟!!.
مثل هذه الاعلانات التي تبدو انفعالية، تُذكّر المتابع بتهديدات الرجل بالاستقالة يوم ارتقى لرياسة الائتلاف السوري المعارض، قبل ان يستقيل فعلاً، كما تُذكّر بكلمة هنا ومقال هناك، افتقد معظمها للمنهجية والتنظيم والاستراتيجية.
كل ذلك يجعلنا نفهم خيبة امل البعض وارتدادهم بشكل عدواني.
قراءة اتجاهات الرأي العام تُعتبر حاليا احد اهم المحددات التي تعتمدها الاحزاب والدول ورجالات السياسة لبناء خططها القريبة واستراتيجياتها البعيدة، والخطأ في فهمها قد يؤدي لنتائج كارثية، كما حصل في سورية بعد بداية الانتفاضة عام 2011، حين انتظر السوريون استجابة رئيسهم لمطالبهم، فاخفق في القراءة، ووصف انتفاضة شعبه بأنها “فتنة اشد من القتل، ومن يتورط بها عن قصد او عن غير قصد، يعمل على قتل وطنه”… قراءة ستزداد بعد ذلك اغتراباً عن حقيقة ما يجري ليصف الرئيس المتظاهرين، بانهم “جراثيم” و “مندسين”، ما استدعى تحول الانتفاضة الى ثورة.
عزيزي الاستاذ “معاذ الخطيب”:
عندما تغضب وتَسمُ منتقديك بانهم -او اكثرهم- انتهازيون، فإنك تستخف ثم تخسر فرصة قراءة ما يمكن ان يرتقي ليكون استطلاعاً لتوجهات الرأي العام، حذار من الاستخفاف والزهد بأبناء البلد، هؤلاء حاضنتك الذين رفعوك وجعلوا الآخر يسعى اليك. إن كنت قد درست بيانك الديبلوماسي مرة، فادرس خطابك لقومك مرات، كما يفعل الكبار، لأننا لا زلنا نراك كبيراً.



المصدر: إياد شهاب: إلى الاستاذ معاذ الخطيب.. من أجل أن لا تتحول الانتفاضة إلى ثورة

انشر الموضوع