مايو 4, 2024

منذ بدء الأز.مة السورية إلى اليوم يشهد قطاع الكهرباء تردياً كبيراً سواء في الإنتاج أو التوزيع وتزداد أزمة الكهرباء تفاقما في سوريا يوما بعد يوم, سواء في ظل البرد أو الحرّ الشديدين.

ويعزى ذلك إلى أسباب عديدة, فلا يخفى على أحد الضرر الكبير الذي تعرضت له محطات التوليد و شبكات الكهرباء, ولم يكن تعويض هذه الشبكات بالأمر السهل, بل هو مكلف بشكل كبير ويحتاج إلى الملايين من الدولارات, فكان التوجه لموارد الطاقة البديلة المائية أو الريحية وحتى الشمسية.

كما أن محطات الطاقة الحرارية في البلد بحالة مزرية جداً لقدمها و تعطلها المستمر، وتكاليف تجديدها الباهظة جعلت أمر إعادة تأهليها صعب التحقق. فدخلت مشاريع الطاقة البديلة كحل مبشر في الوقت الراهن و أصبحت الأمل المنتظر للسوريين فانطبق المثل القائل: “الغريق يتعلق بقشة”.

و قامت الحكومة باستغلال فكرة الطاقة البديلة و لعب الإعلام دوره في تهويل وتضخيم مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية! وكانت شركات مثل “ودفرم WDVRM” وغيرها من النماذج التي أبرزها الإعلام المحلي على أنها تحمل “العصا السحرية” لحل أزمة الطاقة في البلد.

فهل تستحق الطاقة البديلة حجم الزخم الإعلامي الذي حصلت عليه أم أنها “إبرة تخدير جديدة” كما يقول السوريون؟

حتى يكون للأمر جدوى اقتصادية تستحق الذكر:

بحسب ما يؤكد الخبير الاقتصادي “خالد تركاوي”، تحتاج مسألة تصنيع الطاقة في سوريا إلى مليارات من الدولارات وليس الليرات السورية، الذي يرى أن النظام غير قادر على الدخول في هذا القطاع.

وتحدث “تركاوي” في تصريحات نقلها موقع “عنب بلدي”، عن وجود مشاريع للطاقة البديلة في البلدان المجاورة لسوريا، كالأردن وتركيا، مشيرًا إلى أن هذه الدول تدفع ملايين الدولارات للاستثمار في هذا المجال.

الطاقة البديلة أو الطاقة المتجددة، سواء طاقة الرياح أو طاقة الشمس، أمر مكلف، بنيتها الأساسية ليست رخيصة، لكن الإنتاج الذي توفره يصبح رخيصًا على المدى الطويل. فلا حاجة إلى الدفع عندما تمنح المراوح الطاقة الهوائية، لكن تركيب المروحة الضخمة سيكون مكلفًا للغاية، ويمكن أن يصل إلى عشرة ملايين دولار للمروحة الواحدة، بحسب الباحث.

وتحدث “تركاوي” عن تجربة بدأت في الريف الغربي لمحافظة حمص، منذ ثلاث سنوات، تم تركيب مروحة واحدة خلالها، والآن يجري العمل على تركيب مروحتين أخريين، ما يعني أن التجهيز يتم كل سنتين أو أكثر في القطاع الخاص.

والأماكن المؤهلة للطاقة المتجددة في سوريا التي يمكن أن يستثمر فيها القطاع الخاص، هي تدمر والصحراء باتجاه ريف المدينة الشرقي والرقة (طاقة شمسية)، وهي مناطق نزاع وصراع حتى هذه اللحظة، وبالتالي فإن المستثمر معرض للخسارة وتدمير المشروع نتيجة الهجمات والصراع.

والمنطقة الثانية هي جبال اللاذقية والمناطق باتجاه ريف حمص الغربي المفتوحة على المناطق الساحلية (طاقة رياح)، وهي مناطق آمنة نسبيًا وليس كليًا، لكن الحاجة إلى بنية كبيرة جدًا في هذه المنطقة للاستثمار في الرياح تتطلب تكلفة مرتفعة.

أما المنطقة الثالثة فهي في نهري “دجلة” و”الفرات” (طاقة مياه)، والنهران يقعان خارج مناطق سيطرة الحكومة، لذلك لا يمكنه الاستفادة منهما، والأنهار الأخرى كنهر “العاصي”، تدفقها بسيط ولا يمكن الاستفادة منها حتى لو وجدت الإمكانية، لأن توليدها للطاقة سيكون ضعيفًا.

بفرض توفر كل الإمكانيات لإنتاج طاقة بديلة:

لنفترض أن الحكومة تمتلك المبالغ المطلوبة، والمناطق المطلوبة تحت سيطرتها بالكامل أيضًا… هل سيكون الحديث عن الطاقة البديلة ذو جدوى اقتصادية؟

اقرأ المزيد: من علامة صفر إلى رقم 12 في العالم ..مشروع لطفل صغير سيعيد الكهرباء إلى سوريا ويصدر الطاقة النظيفة إلى دول العالم!

بعد عشر سنوات من الحـ.ـرب والدمـ.ـار والخـ.ـوف لا نتوقع من بلد مثل سوريا أن تحيي أي مشروع في أي مجال, ولكنها بلد المفاجأت دائماً فمن داخل العتمة تأسست شركة جديدة تخصصت بتوليد الكهرباء النظيفة!

ولم تكن هذه الشركة أي شركة إنما هي الأولى في الشرق الأوسط في مجال توليد الطاقة النظيفة ومن هنا نستطيع التوقع بمستقبل سوري مشرق بعد ظلام الحرب.

ففي بلد يفتقر إلى أقل مقومات الحياة اليومية، ويشكو من عتم الليل وبرد الشتاء نتيجة فقدانه للكهرباء والمشتقات النفطية، بعد 11 عامًا من النزاعات، تأسست شركة ناشئة سوريّة بالكامل ودفرم “WDVRM“، وهي الأولى في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا والـ 12 على مستوى العالم، التي تخصصت بتوليد كهرباء نظيفة لا تعتمد على الوقود الأحفوري بل على طاقة الرياح.

وبينما يبدو الأمر أقرب إلى الخيال أمام السوريين خاصةً الذين يجدون في الألواح الشمسية حلمًا بعيد المنال، إلا أن رحلة هذه الشركة من الفكرة حتى تلقي عروض بالاستثمار والشراء، تبشر بالخير وبمستقبل أكثر إشراقًا في سوريا.

من بلد لا يليق بها هكذا مشاريع.. بدأت الرحلة!!

حيث قامت شركة WDVRM على فكرة مشروع مدرسي في دبي للطفل ربيع إلياس وهو في الـ 12 من عمره عام 2006. حصل المشروع على علامة الصفر، لأنّه، حسب ادعاء المعلمة لا يليق بسوريا التي كانت تشكو من فقر في البنى التحتية حينها، وتعاني من دمار في نسبة كبيرة في هذه البنى اليوم.

علامة الصفر والرد القاسي ودموع الطفل دفعت والده، وليد إلياس، للاطّلاع على المشروع وفكرته واتخاذ القرار بتنفيذه لما يحمل معه من فرصة واعدة. ترك بعدها ربيع المدرسة لمدة شهر، بأمرٍ من والده وليد، للمشاركة في معرض هامبورغ لطاقة الرياح في ألمانيا، ولأن الأرض الموعودة بهذا المشروع هي سوريا، قوبلت الفكرة بتشكيكٍ كبير من العديد من الخبراء.

في عام 2011، عندما بدأ أصحاب رؤوس الأموال بالقفز من المركب الغارقة ومغادرة سوريا بأموالهم، باع وليد إلياس أملاكه في أوروبا والخليج العربي وقرر الاستثمار في وطنه عملًا بالمقولة “إذا ضربت المدافع، شيّدوا المصانع”، ووسّع المعمل الذي كان عندها (المجمع السوري الأوروبي للصناعات الثقيلة)، من 11 ألف متر مربع إلى 75 ألف متر مربع، ليصبح المعمل الوحيد في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا للطاقات البديلة والصناعات الثقيلة.

إنجاز نوعي وانطلاقة واعدة

عنفة هوائية لشركة ودفرم WDVRM

من عام 2011 أنشأت “ودرفم” عنفتين قادرتين على إنارة 17 ألف منزل تقريبًا، في السهول المنخفضة من مدينة حسياء الصناعية في ريف مدينة حمص السورية، وتم اختيار الموقع بعد عدة أشهر من الدراسات التي خلصت إلى أن هذه المنطقة الجبلية في حمص من أقوى المناطق الريحية في العالم.

والعنفة الواحدة عبارة عن مروحة ضخمة بوزن 2500 طن وثلاث شفرات طول كل منها 50.3م، تعمل بطاقة تحريك الرياح، لتولد الكهرباء باستطاعة 2.5 ميغا واط ساعي، بشكل مستمر 7/24 لمدة 25 عامًا بكفاءة عالية وأقصى درجات الأمان، لتنتج طاقة كهربائية تغطي تكاليفها بالكامل بعد 3 سنوات فقط من تشغيلها.

أنشئت العنفتان بموارد وخبرات محلّية بالكامل بتدريب كوادر أجنبية مختصة للخريجين السوريين في مجال الطاقات البديلة، ليبلغوا مبلغًا مكّنهم من إصلاح أخطاء الخبراء الألمان، حسب ما أفصح عنه ربيع إلياس المدير التنفيذي لودفرم، التي لم تستغل فقط طاقة الرياح، لكنها استخرجت أيضًا طاقات وكفاءات أبناء سوريا المدفونة تحت مخلفات الحرب.

وحسب إلياس، إذا تم تركيب عنفات ريحية من قبل الحكومة واستثمارها، ستنخفض تكلفة إنتاج الكيلوواط إلى 10- 30 ليرة، بينما تبلغ التكلفة الحالية ما يصل إلى 300 ليرة سورية.

الاكتفاء الذاتي في ظل الحصار الدولي

في بلدٍ تعاني من العقوبات الدولية وإجراءات الحظر الاقتصادي الجائر، اضطرت ودفرم لتركيب العنفات محليًّا بالكامل حيث يتم تصنيع 80% من المعدات في المجمع، واقتصرت حصة الاستيراد على 20% من الأجزاء اللازمة وهي عبارة عن بعض القطع التحريكية التي تستورد وفق تصاميم المجمع ذاته.

كذلك تم الاعتماد بالكامل على كوادر الشركة السوريّة عند نقل العنفة من مكان تصنيعها في حسياء الصناعية إلى مكان التركيب والتشغيل بالقرب من جسر شين، الأمر الذي شكّل مشكلةً في البداية لعدم توفر أي آلية قادرة على نقلها محليًا وصعوبة استيراد رافعة بهذه المواصفات، فتم في المجمع تركيب رافعة خاصة لنقل العنفة بلغ وزنها 1200 طن واستطاعتها 650 طنًا وبارتفاع وصل إلى 167م، لتنقل العنفة. لاحقًا تم ضم هذه الرافعة إلى آليات المعمل لتكون هي الرافعة الوحيدة في سورية المخصصة لتركيب العنفات الهوائية بتكنولوجيا متطورة.

الأمل بمستقبل مضيء في سوريا

بعد أن قوبلت الفكرة بالرفض والتشكيك قبل إنشاء العنفة الأولى، بدأت الأصداء تطالب بمزيد من العنفات، سيّما وأنه استنادًا إلى كل الوعود التي قدمها ربيع إلياس، فإن شركة WDRVM قد تكون أمل سوريا في إلغاء التقنين على الكهرباء، الذي وصل في بعض المناطق إلى 6 ساعات تقنين مقابل 45 دقيقة من التدفق الكهربائي.

في فترتها التجريبية الأولى، وخلال أقل من شهر تمكنت أول عنفة من تغذية الشبكة الكهربائية بأكثر من 500 ميغا واط (الميغا واط تساوي 1000 كيلو واط)، لكن ما تحتاجه الشركة هو تركيب 1500-2000 إلى عنفة ريحية، باستطاعة تبلغ 2.5-6 ميغاواط للعنفة الواحدة، حتى تجعل من سوريا بلد الأضواء.

رغم إدخال ألواح الطاقة الشمسية واعتمادها مؤخرًا في بعض البيوت والمنشآت السورية، وحماس سوريا تجارًا وحكومةً إلى الاستثمار في الطاقة الشمسية، إلاّ أنّ ودفرم تنصح وتفضّل الاعتماد على طاقة الرياح، لأنّها تتطلب تكنولوجيا أقل تعقيدًا، وأراضٍ أقل مساحةً لإنتاج الكهرباء باستخدام العنفات الهوائية مقارنةً باحتياجات توليد الكهرباء من الألواح الشمسية. بالإضافة إلى القدرة على استرداد رأس المال المستثمر وتحقيق أرباح بغضون 3 إلى 4 سنوات في حال استخدمت العنفات الهوائية، بينما تحتاج الألواح الشمسية لـ 10 سنوات.

مستقبل ودفرم WDRVM

الشركة التي شكك الخبراء في نجاحها، وعقب تدشين توربينها الأول في 2019 والثاني في 2021، وبلوغ طاقتها الإنتاجية 50 إلى 60 توربينًا سنويًا، تتلقى اليوم العديد من العروض لشراء توربيناتها من دولٍ أوروبية وآسيوية وأفريقية وحتى من دول عربية، مثل السعودية والكويت والمغرب والأردن، وهي حاليًا بطور المفاوضات لإنشاء مزرعة توربينات تولد الطاقة في العالم، إذ أدرك الجميع أن توليد الكهرباء بالعنفات الهوائية أمرٌ في غاية الأهمية لأنه مشروع يعتمد على طاقة متجددة صديقة للبيئة.

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك