أبريل 24, 2024

 ابراهيم نمر: كلنا شركاء
الوطنية السورية بمفهومها السلطوي على مدار العقود الماضية لم تكن سوى ولاءات للنظام الدكتاتوري المتسلط على رقاب السوريين ولم تكن سوى بضاعة تالفة من بضائع الانقلاب العسكري الذي أوصل ذاك الضابط المغمور لحكم بلد مهم في خارطة العالم كسوريا هذا الضابط الذي أسس نظاما على قياسه لتأليه الفرد والرمز المقدس والقائد الأوحد الذي هو نفسه فاللسلطة الحاكمة التي تأسست فيسوريا بأشراف هذا الضابط وحاشيته أفرغت الوطنية السورية لصالح خيال الضابط المغمور و تم محو ما يمكن محوه من الوطنية الحقة التي تعني في ذاكرة الفرد والشعوب حب الوطن لتقتصر على الولاء والخوف من السلطة المتغطرسة الحاكمة التي استخدمت كل المفاهيم الوطنية بلا وطنية ولا رادع. 
ما تشهده سوريا اليوم وبعد عقود من تلك الوطنية الفارغة والتي لم تكن سوى ولاء للدكتاتور من الطبيعي ان تنشأ وتؤدي لحالة من ردة فعل عامة على كل ما سبق من المفاهيم والمصطلحات الفضفاضة الذي استخدمها البعث الحاكم وكل اتباعه من الأحزاب والمنظمات المنضوية تحت امرته وجميع الشعارات كانت للإستهلاك المحلي والعربي لتعزيز هيمنة الفرد والرمز والنظام البعثي الحاكم بقيادة الضابط المغمور واليوم لم يعد النظام وحده فاقدا الوطنية الحقة بل هناك فئات واسعة وكثيرة حتى من المعارضة انزلقت في منزلق النظام اللا وطني فمعظم من رفع السلاح واستخدمه ضد فئة اخرى من منطلق فئوي وطائفي ومناطقي سقط ايضا في امتحان الوطنية السورية الحقيقة. 
هذه الصورة القاتمة هي القائمة اليوم حيث لم يعد موجودا في اجندة المتقاتلين اي خيارات وطنية بل جميعها على قاعدة كسر الخصم وربح المعركة والغنائم والحوريات ومناطق نفوذ جديدة انه صراع دموي الغائب فيها الاجماع الوطني والاتفاق على وحدة البلاد والعباد. وما جرى من انتهاكات للسيادة الوطنية التي كانت منتهكة منذ وصول البعث الحاكم وضابطه المغمور لا تعد ولا تحصى لنصل للانتهاك التركي الأخير ودخول جرابلس السورية الذي جاء بعد المنتهك الروسي والايراني وبالعودة للتدخل التركي العسكري والسؤال: الأهم لماذا بهذا التوقيت ؟
الجواب : كان هذا التدخل مؤجلا أمريكيا روسيا وحان الوقت وما حصل كان متفق عليه سابقا والمباركة الغربية جاءت سريعا من كل من المانيا وبريطانيا فمن المعلوم ان تركيا كانت تطالب بفرض حظر جوي وإقامة المناطق الامنة في الشمال السوري وذلك لضرب عدة عصافير بحجر واحد أولها منع تمدد الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني في شمال شرق سوريا ولجم قوته العسكرية وثانيا وقف تدفق النزوح واللاجئين نحو تركيا وبالتالي وقف الهجرة والنزوح نحو دول الاتحاد الأوربي والإظهار بمظهر المدافع الاول عن الثورة السورية لكن لم ينجح الأتراك في انتزاع الموافقة الامريكية الروسية وبقي المشروع مؤجلا لحين توفر الظرف المناسب وبعد الفشل العسكري الروسي الواضح في سوريا وخصوصا في حلب فالمعارضة المسلحة استطاعت الصمود امام براميل النظام والطيران الروسي العنيف لا بل انتقلت المعارضة المسلحة الى مرحلة فك الحصار وانتزاع مناطق جديدة من النظام ومليشياته الطائفية ما شجع الروس والامريكيين الى العودة للخيار التركي وذلك لفرض إيقاعات جديدة على الجبهات كلها اي صفقة هنا وصفقة هناك وتنازلات متبادلة لجر جميع الأطراف نحو جولات تفاوض جديدة مع ابقاء الحرب مستمرة والإطالة المتعمدة ايضا في عمرها فالتقارب الروسي التركي وعودة العلاقات المتبادلة جاء تلبية للتفاهم الروسي الامريكي الذي يهدف الى إدارة الصراع دون انتصارات ساحقة لطرف بعينه.
ولذلك لا يمكن مثلا ان تحلم قوات سوريا الديمقراطية “قسد”بأكثر من ذلك وما حققته هذه القوات كان دائما بفضل غطاء جوي من التخالف الدولي عدا عن الأسلحة المقدمة لهم من قبل النظام السوري نفسه فمن أرسل هذه القوات لمدينة منبج أعادهم الى حظيرتهم ثانية بعد خسارة مئات القتلى في صفوف هذه القوات لكن التركي الذي انتهك السيادة الوطنية في جرابلس كما يصفها من كان ساكتا على باقي الانتهاكات جاء كما هو معلوم بعد انتهاكات النظام الطائفي وورثة الضابط المغمور والروس والايرانيين والدخول التركي لا يمكن تشبيهه بأي قوة اخرى وبالتالي دخوله ليس كقوات “قسد” دخل منطقة ليخرج منها إنما لتنفيذ ما تم تأجيله سابقا ومن المرجح ان يتم اعلان مناطق آمنة قريبا والحظر الجوي وهذا القرار سيكون بمثابة الضربة الموجعة الاولى الذي سيتلقاها النظام السوري وبعدها ستكون الضربات موجعة اكثر فأكثر لحين اجبار النظام بالحل الدولي الذي سيراه الأمريكيون والروس مع كبح جماح حزب الاتحاد الديمقراطي الجناح السوري للعمال الكردستاني وكل تشكيلاته العسكرية فمع التدخل التركي بات الحديث عن معركة تحرير الرقة وقد يكون ذلك قريبا ومثلما تبخر داعش في جرابلس سيتبخر في الرقة لتبقى الحسكة هي العقدة المُحتملة ولذلك قد يسارع حزب “ب ي د”الى جولة قتال جديدة مع النظام السوري ليطرح نفسه كقوة بديلة عن النظام مأمولا باعتراف امريكي روسي منقوص حيث بات واضحا ان النظام سينتهي من شمال وشمال شرق سوريا ولن يعود ابدا والمعارضة عبر تركيا تطمح بنفوذ واسع جغرافيا بما فيها المناطق الكردية ولذلك باتت قوات صالح مسلم في وضع لا يحسد عليه وأمر استمرار هذا الحزب وقوته مرهون بالقرار الامريكي الروسي اما تركيا فلن تقبل الاخيرة بحزب منضوي تحت لواء المشروع الشيعي على حدودها وهنا كل الاحتمالات متوقعة بالنسبة لمصير هذا الحزب العسكري والسياسي ومن المعروف ان البديل الكردي لهذا الحزب جاهز وعلى اهبة الاستعداد ولا ينقصه شيئ لا سياسيا ولا عسكريا هذا عدا عن القبول الداخلي والدولي والإقليمي لهذه المعارضة الكردية القريبة من المعارضة السورية وهكذا تتسارع الأحداث في شمال وشمال شرق سوريا لجر جميع الأطراف نحو صفقات وتنازلات متبادلة بالقوة لحين إقرار جولة تفاوض جديدة وفشل جديد.



المصدر: إبراهيم نصر: السيادة الوطنية المنتهكة..من (حافظ الأسد) حتى جرابلس

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك