مارس 29, 2024

حذيفة العبد: كلنا شركاء

لطالما تغنى النظام بـ “أساطير” الصمود في مستشفى الكندي شمال حلب، الذين بقوا محاصرين فيه لمدة ثمانية أشهرٍ انتهت بهروب “الأبطال” و”قديسي الكندي” بعد مقتلةٍ في صفوفهم عام 2013، حيث نجح الثوار بالسيطرة عليه بعد أن كان مستعصياً.

ومستشفى الكندي المحاذي لسجن حلب المركزي، هو مستشفى للأمراض النفسية، حولته قوات النظام مع انطلاقة الثورة السورية إلى ثكنةٍ عسكريةٍ، وبقي عصياً على كتائب الثوار نتيجة تحصينه واحتماء عناصر النظام في ملاجئه، إلى أن سقط أخيراً في قبضة الثوار أواخر عام 2013 (20 كانون الأول/ديسمبر 2013)، حين هرب من تبقى من عناصر النظام إلى سجن حلب.

القتلى في المستشفى والهاربون على حدّ السواء، أصبحوا أبطالاً قوميين في إعلام النظام الذي لم تغب عنه “قصص الصمود” في المستشفى، فبات 88 عنصراً من قوات النظام رموزاً ملأت صفحات مواقع التواصل الموالية وفضائيات النظام الرسمية وغير الرسمية.

الصورة الملمعة بقيت متداولة على صعيدٍ كبيرٍ في أوساط الموالين، معززةً إياها استعادة النظام سيطرته على المستشفى أواخر العام الماضي، واكتشاف المقابر الجماعية لجنود النظام هناك، حتى أماط مؤخراً أخد المواقع الموالية عن طريقة تعامل حكومة النظام مع “أساطيره” في مشفى الكندي.

تكريمهم لم يكلّف أكثر من الحبر والورق

وكشف تحقيقٌ أجراه موقع “تلفزيون الخبر” الموالي للنظام عن مدى الإهمال والنسيان الذي يعاني منه ذوي قتلى المستشفى، قائلاً إن أهالي القتلى اكتشفوا بعد أربعة أعوام من “الأسطورة” أن التكريم الحكومي لم يتجاوز عبارات العزاء ولم يكلف أكثر من حبرها، وأن التمجيد الرسمي ما كان إلا حفلا استعراضياً راقصاً في دار الأوبرا لإحدى “الفرق الوطنية” تحت شعار “ملحمة الكندي” والمفارقة أن أحداً من أهل قتلى الكندي لم يُدعى إلى هذا الحفل حسب الموقع.

ويدّعي التحقيق أن ١١ عنصراً من قوات النظام في المستشفى أعدموا ميدانياً عام 2014 في حلب بعد أسرهم، مشيراً إلى وجود شريطٍ مصور يوثق ذلك. لكنّ المفارقة أنهم ما زالوا في عُرف حكومة النظام مفقودين ولم تسجل أسماءهم كـ “شهداء” إلا في صفحات “الفيسبوك”، وبقي ذووهم مجردون من حقوق القتلى على شحّها.

أبرز الرموز مجرد الحقوق

ومن أكثر من تغنى به إعلام النظام في ذلك الوقت هو “أحمد ابراهيم خليل العطو” الذي اشتهر بلقب “أبو كاوا” من أبناء قرية تل عرن في ريف حلب، وصورته التي تداولها موالو النظام وشاركتها الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، والقنوات الفضائية، كأيقونة لـ “شهداء الكندي”، إلا أن ذلك كله لم يشفع لأهله أن تطلق الجهات الحكومية على ابنهم تسمية “شهيد الوطن”، كما يقول والده، الذي يقول “أريد أن أعرف مصير ابني وألا يبقى معلقاً وقالوا في البداية ابني مجهول المصير ثم قالوا مفقود وانا أحتاج إلى ورقة تثبت هل ابني شهيد أم حي”.

ويكشف “أبو أحمد” بأنه التقى زملاء أحمد الذي استطاعوا النجاة من المستشفى بعد اقتحامه، حيث أكدوا له صحة مقطع الفيديو الذي نشر على موقع “اليوتيوب”، وهو دليلٌ على تصفية ابنه، ليصل إلى الحقيقة التي تأبى حكومة النظام الاعتراف بها.

واحدٌ من آخر الجنود الهاربين من المستشفى قبيل اقتحامه عام 2013، ويدعى محمود، قال “إذا طلب مني أن أشهد فانا جاهز أن أقسم بأن أحمد العطو ورفاقه في المجموعة بنيان ونوس، وحسام ميني، وجادو أبو سرحان، قد استشهدوا، لأن مقطع فيديو الإعدام واضح وأنا أعرفهم كما أعرف اسمي وعشت معهم مرارة الحصار والعطش والجوع وقاومنا الإرهابيين سوية لأكثر من ٨ أشهر”.

وحالة أحمد العطو تشبه حال العديد من قتلى قوات النظام الذين لم يثبت القانون مقتلهم، كما يقول معدو التحقيق، ومن هؤلاء القتلى مجردي الحقوق “مصطفى شحادة”، أحد رفاق أحمد والذي ظهر في شريط فيديو الإعدام، وتؤكد أخته “سافرت عدة مرات من حلب إلى دمشق وحاولت مراراً الحصول من الجهات المعنية على اقرار باستشهاد مصطفى لكن دون جدوى “فالقانون لم يقتنع” حسب قولها “ولا يعتبر مصطفى ورفاقه إلا مفقودين”.

“خيار وفقوس”

أحد الجنود الناجين من مستشفى الكندي أكد أن هناك الكثير من قتلى الكندي ما زالوا في عداد المفقودين لدى الجهات الحكومية، ويؤكد أن “شريط فيديو الإعدام بحق شهداء الكندي يظهر عملية إعدام ١١ جندياً من مجموعة بنيان ونوس الذين تم أسرهم وبينهم، صلاح بدر الدين ومحمود قره علي وبشار يوسف وعبدالله”.

ويتساءل “كيف أن بنيان ونوس سمُّي شهيداً وحصل أهله على حقوقهم بينما تسمية رفاقه في القتال والحصار والأسر والشهادة مفقودين وليسوا شهداء”، مشيراً إلى سياسة “الخيار والفقوس” التي تسلكها حكومة النظام في التعامل مع قتلاها.

“الشعرة مكسب”

ولماذا تسعى عائلات القتلى للحصول على الاعتراف؟، توجهت بهذا السؤال إلى الحقوقي محمد الطويل (اسم مستعار لناشطٍ من حماة)، فقال إنه بالدرجة الأولى يحقّ للأهالي توثيق طارئات الأحوال المدنية في دوائر النفوس، لما يتعلق بها من قضايا زواجٍ وطلاقٍ وميراث وغيرها، وبالدرجة الثانية فإن الحصول على شعرةٍ من حكومة النظام التي زجت بأبنائهم في حربها يعتبر مكسباً، خاصةً وأن ذوي القتلى يحصلون على بعض الامتيازات في القبول الجامعي، وتخصص لهم بعض المساعدات الإغاثية، مضيفاً أن حكومة النظام جعلت ذوي “أساطير الكندي” يحلمون بهذه الشعرة ليكسبوها، أو حتى ساعة حائط يعلقونها على جدار المنزل، كأمثال القتلى في الساحل الذين خصّ بعضهم بشار الأسد بساعات حائطٍ على جدران منازلهم.

المصدر : كلنا شركاء

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك