مايو 3, 2024

القاهرة- كان لافتًا في السنوات الأخيرة، نشاط الأمن المصري في ملاحقة العديد من صنّاع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، كان آخرهم 3 بسطاء من صعيد مصر باسم “ظرفاء الغلابة”، وُجهت إليهم -وفق تقارير- اتهامات بنشر أخبار كاذبة؛ لانتقادهم ارتفاع الأسعار في مقطع ساخر.. فهل أصبحت “خفة الظل” المعروفة عن المصريين ثقيلة على النظام، أم أنها عملية إعادة ضبط للسلوك العام؟

في الأسبوع الماضي، أفادت وسائل إعلام محلية بإلقاء القبض على “ظرفاء الغلابة” وحبسهم 15 يومًا، وذلك بعد أيام من توقيف مقدمي برنامج المقالب “كريزي تاكسي” على يوتيوب بدعوى التصوير في الشارع من دون ترخيص، لكن الأخير كان أصحابه أكثر حظًا حيث أطلق سراحهم سريعًا.

والمثير أن “ظرفاء الغلابة” عوقبوا على ما يبدو بسبب إعادة تمثيلهم أغنية تسخر من ارتفاع الأسعار، رغم أن الفنان أكرم حسني الشهير بـ”أبو حفيظة” (ضابط شرطة سابق) أدى قبل سنوات الأغنية نفسها التي تستخدم كلمات أخرى على لحن أغنية “نار” للمطرب الراحل عبد الحليم حافظ.

@aantarrr

#متابعه #لايك❤️ #اكسبلور #ظرفاء #الغلابه

♬ الصوت الأصلي – ظرفاء الغلابه

وقائع توقيف صنَّاع المحتوى الساخر ليست جديدة، بل هناك عشرات السوابق التاريخية منذ عقود، بداية من أصحاب النكتة السياسية حتى المقاطع القصيرة المصورة وصفحات “الكوميكس”، ومن أبرزها القبض على فرقة تعرف بـ”أطفال الشوارع” عام 2015، بدعوى “إهانة الرئيس عبد الفتاح السيسي”، في واقعة أثارت وقتها جدلاً واستنكارًا كبيرًا.

كما يأتي توقيف “ظرفاء الغلابة” متزامنًا مع قرار بإخلاء سبيل 41 من سجناء الرأي كانوا محبوسين احتياطيًا على ذمة قضايا، مما أثار تساؤلات حول دوافع الإفراج عن البعض وفي الوقت ذاته القبض على غيرهم.

وفي حين اتفق مراقبون ومعارضون على أن ملاحقة صنَّاع المحتوى الساخر لن يوقف ولع المصريين بالسخرية؛ لتأثيرها الكبير وإن كان غير مباشر، في ظل تململ شعبي من السياسات الاقتصادية التي تسببت في ارتفاع الأسعار وانهيار العملة المحلية مرارًا في السنوات الأخيرة، دعا كاتب صحفي -مؤيد للنظام- إلى احتواء “ظرفاء الغلابة”؛ لأن ما يقدمونه يمثل تنفيسًا ولن يسبب ثورة شعبية.

نماذج متعددة

وفي الحقيقة، وقائع توقيف صنَّاع المحتوى الساخر بمصر ليست جديدة، بل هناك عشرات السوابق التاريخية منذ عقود، بداية من أصحاب النكتة السياسية حتى المقاطع القصيرة المصورة وصفحات “الكوميكس”، ومن أبرزها في السنوات الأخيرة:

– القبض على رسام الكاريكاتير إسلام جاويش عام 2016، وتوجيه اتهامات له برسم كاريكاتير ضد النظام، وآنذاك انتقد الرئيس عبد الفتاح السيسي طريقة تعامل الأمن مع جاويش، وأقر بإخفاق النظام في “التواصل والتفاهم” مع الشباب. ورأى السيسي -في مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب على إحدى الفضائيات المحلية- وقتها أن “هذه أمور طبيعية في دولة لا تزال في حالة ثورة منذ 5 سنوات، والأمور فيها لم تنضبط بعد”، على حد قوله.

– في العام ذاته، قبضت السلطات على فرقة تعرف بـ”أطفال الشوارع” وحبستهم عدة أشهر، بعد نشرهم مقاطع مصورة قصيرة على منصات التواصل، بدعوى “إهانة السيسي”، في واقعة أثارت جدلا واستنكارًا كبيرًا.

– القبض على اليوتيوبر الشهير شادي سرور عام 2019، لدى عودته من الولايات المتحدة، وتوجيه اتهامات له بارتكاب جرائم “تلقي تمويل بغرض إرهابي، واستخدام حسابات خاصة على شبكة المعلومات الدولية بهدف الإخلال بالنظام العام”، قبل أن تطلق سراحه بعد 20 شهرًا من الحبس.

وكان سرور قد انتقد السيسي في أبريل/نيسان 2017 بعد تفجير كنيستين أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، ثم تضامن مع دعوات أطلقها معارضون بالخارج للتظاهر ضد النظام.

– في مايو/أيار 2020، توفي الفنان والمصور المصري شادي حبش في سجن طرة، بعد أكثر من عامين على اعتقاله، بسبب مشاركته في إعداد أغنية سياسية ساخرة وجهت انتقادات لاذعة للرئيس السيسي.

ترسانة قوانين

وفق جماعات حقوقية، أعاد توقيف “ظرفاء الغلابة” التذكير بترسانة قوانين مقيدة للحقوق والحريات، التي وضعت الآلاف تحت طائلة الحبس الاحتياطي، في وقت تقدر فيه المنظمات الحقوقية عدد السجناء السياسيين في مصر بنحو 60 ألف سجين، في مقابل نفي رسمي دائم لذلك.

ومن أبرز هذه القوانين قانون مكافحة الإرهاب الصادر عام 2015، الذي فرض تقييدات على حرية التعبير الرقمية وإمكانية حجب المواقع والمنصات المختلفة، إضافة إلى قوانين قابلتها انتقادات عدة ترتبط بتنظيم الإعلام والصحافة.

طبيعة النظام

“ما يتعرض له صنَّاع المحتوى الساخر ومن يعبرون عن آرائهم على منصات التواصل الاجتماعي يتفق مع طبيعة النظام الحالي الذي لا يحتمل الرأي والرأي الآخر، حتى لو كان بسيطًا ومقبولاً في أي مجتمع آخر”، بهذه الكلمات استهل المعارض السياسي البارز أيمن نور تعقيبه على توقيف “ظرفاء الغلابة”.

وفي تصريحات للجزيرة نت، قال نور إن مصر أمام حالة من التشدد في التعبير عن الرأي بشكل عام ومع السخرية بشكل خاص؛ خوفًا من انفجار مجتمعي أو وصول أصواتهم وانتقاداتهم إلى كل أطياف المجتمع.

ومشيرًا إلى أنه عندما يتزايد حجم الاستبداد في أي مجتمع يكون سلاح السخرية هو السلاح البديل في الحق عن التعبير عن المواقف والآراء، أوضح مؤسس حزب غد الثورة أن النكتة السياسية كانت وستظل سلاحًا مهمًا في مواجهة الأنظمة المتعاقبة.

وتطرق نور إلى أن نظام ما بعد 2013 (تاريخ إطاحة الجيش بالرئيس الراحل محمد مرسي) لم يحتمل في بدايته القليل من سخرية برنامج مقدم البرامج باسم يوسف، التي كانت عنيفة وبشدة ضد مرسي ونظامه، وتكرر ذلك مرارًا مع العديد من البرامج الساخرة وصنَّاع المحتوى.

أبو حفيظة والغلابة

كان مثيرًا للجدل أن يتم توقيف “ظرفاء الغلابة”، بسبب مقاطع فيديو ساخرة كان أبرزها مقطع سبق أن قدمه الفنان أكرم حسني المعروف بـ”أبو حفيظة” وفريق عمله ببرنامج “أسعد الله مساءكم” عام 2015، وأذيع على فضائية “إم بي سي” (MBC) السعودية.

ومنطلقًا مما أسماه تقبل الدولة بصدر رحب ما قدمه “أبو حفيظة” قبل 7 سنوات، في مقابل توقيف “ظرفاء الغلابة”، عزا الأمين العام المساعد بحزب المحافظين مجدي حمدان عدم المعاملة بالمثل في الحالتين إلى مساعي الدولة في السيطرة على حالة الغضب والتجهم الشعبي.

وفي تصريحات للجزيرة نت، قال حمدان -القيادي السابق بجبهة الإنقاذ التي قادت تظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013 ومهدت لتدخل الجيش في الثالث من يوليو/تموز 2013 للإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي- إن الدولة تريد احتواء الغضب الشعبي بأي شكل من الأشكال، وبالتالي تحاول صناعة حالة من الانضباط حول أي محتوى ساخر ينتقد ارتفاع الأسعار.

ورأى حمدان أن الأمر لا يندرج تحت بند تكميم الأفواه فحسب، بل محاولة للسيطرة حتى لا يتحول إلى ظاهرة وأزمة جديدة بعد جملة من السياسات غير المنضبطة هددت السوق المصري وجعلته لا يتحمل أي وضع جديد لارتفاع الأسعار.

إرهاصات فن الغلابة

وفي تقييمه نشاط صنَّاع المحتوى الساخر فنيًا من سياسات النظام، رأى الكاتب الصحفي والناقد الفني أسامة صفار أن التقليد بصفة عامة هو ملعب الهواة، مضيفا أن المحتوى الذي سجن بسببه “ظرفاء الغلابة” قد لا يكون إنجازًا فنيًا كبيرًا، لكنه بالتأكيد إرهاصة لما يمكن أن يكون موجودًا من مواهب.

وعن مواجهة السلطات سخرية الغلابة من حالهم في إطار أعمال فنية، قال صفار -للجزيرة نت- إن “السلطة العسكرية بطبيعتها سلطة ثقيلة الظل تكره كل ما هو إنساني، وتميل إلى العمل الآلي المنضبط في سياقه العسكري، وحين يتم نقل تلك القيم إلى الأجواء السياسية والشعبية فإنها تقابل بالسخرية المكتومة والمخفية”.

وأضاف أن مشكلة السخرية هنا ليس في كونها سخرية ولكن لكونها علنية؛ حيث يعيش النظام حالة خوف مزمن، والخوف يؤدي إلى سلوك عنيف تجاه أي مثير، حتى ولو كان سخرية يقوم بها بعض المساكين من أحوالهم قبل أن يكون من النظام نفسه.

وشدد على أن تلك المساحة من السخرية -على بساطتها- مخيفة؛ فهي فيض خرج إلى العلن ينبغي -حسب تصور النظام- إخفاء أدلته أو خلق سرديات بديلة، مشيرًا إلى أن توقيف صناع المحتوى الساخر فعل ينتمي إلى مفهوم الأمن السياسي.

وقال الكاتب الصحفي إن “النظام يعرف جيدًا خطورة السخرية وتسرب فكرة العدمية إلى شعب خسر كل شيء في حالة الخضوع أو الثورة، وحين تتساوى النتائج تصبح الثورة حتمية”.

البحث عن عقلاء

وفي السياق ذاته، استنكر رئيس تحرير صحيفة “فيتو” (خاصة، مقربة من النظام)، عصام كامل، واقعة القبض على “ظرفاء الغلابة”، مشيرًا إلى أنهم بسطاء قدموا فنًا لطيفًا لن يسبب ثورة أو مشاكل على الحكومة، بل تنفيسًا عن المواطنين.

وتساءل كامل -في مقطع فيديو على فيسبوك- عن أسباب واقعة القبض على “الظرفاء المساكين” التي لم يتم الإعلان عنها لا من الشرطة أو النيابة العامة، مطالبًا من أسماهم بـ”العقلاء” داخل النظام بإعادة التفكير في توقيف فريق “الظرفاء” من دون ترك مثل هذه المسائل لغير العقلاء، بما قد يؤثر على شكل الحكومة أمام الشعب.

وشدد الكاتب الصحفي على أن “ظرفاء الغلابة” لم يحرضوا ضد النظام، بل قدموا محتوى ساخرًا سبق تقديمه قبل 7 سنوات ولا يزال يُردد حتى اليوم، مشيرًا إلى أنه كان من الممكن الاستفادة من أدائهم وانتشارهم باعتبارهم صوت الناس.

اقرأ ايضاً: أفضل اشتراكات القنوات العربية (عالية الجودة)

انشر الموضوع


اشترك بالإعلام الفوري بالاخبار الجديدة بالإيميل .. ضع بريدك