أولاً - تاريخ الجزيرة عبر العصور :

    ليس سهلاً الإحاطة تماماً بتاريخ منطقة الجزيرة دون تناول تاريخ ما يسمى " بيلاد ما بين النهرين " ، وذلك لارتباط منطقة الجزيرة بهذه البلاد ارتباطاً عضوياً وجغرافياً وثيقاً ، ولأن الاكتشافات الأثرية فيها حتى الآن ليست كافية ، فهي لم تقدم بعد المعلومات اللازمة لقراءة التاريخ قراءة واضحة ، لكن المخلفات المادية قد تمكن الباحث من إلقاء بعض الضوء على المراحل التاريخية الهامة التي مرت بها الجزيرة السورية وهذا ما يمكننا من القول أن تاريخ المنطقة لا يعود إلى أقدم من الألف الثالث قبل الميلاد.

    فلم يُعرف حتى الآن متى بدأ الإنسان بالتواجد في هذه البقعة من الأرض ، باستثناء ما أوحت إليه الطبقات السفلة من حفريات تل حلف قرب رأس العين ، والتي قام بها المستشرق الألماني " أوبنهايم " الذي قام بعدة محاولات تنقيبية في ذلك التل ، حيث أوضحت له المكتشفات الأثرية في الطبقات السفلى أن الإنسان بدأ الاستقرار في هذه المنطقة منذ الألف الخامس قبل الميلاد حيث تمكن سكان هذه المنطقة منذ ذلك الوقت من تحقيق شيء من التقدم في إبراز بعض الملامح الحضارية ، وتحقيق التقدم على معاصريه من بني جنسه في مناطق أخرى من العالم.

    أما الدكتور " أنطوان مورتكات " الباحث الألماني الذي قام بحفريات فخيرية في عام 1955م وتل أيلون في عام 1956م فيقول : " إن وجود العظام والأسلحة وأدوات الصيد في أقدم طبقات تل حلف على نهر الخابور تشير إلى أن هذه الطبقات كانت عبارة عن قرى صغيرة سكنتها أمم كانت تمر بمرحلة الانتقال والتحول من حياة الصيد إلى حياة الاستقرار والاعتناء بالزراعة".

    وهذا أمر ملفت للنظر من حيث أهمية موقع منطقة الجزيرة بالنسبة إلى العالم ، فهي كانت صلة الوصل بين قارات العالم القديم ، ومنطقة هامة تتوفر فيها كل مقومات الحياة والبناء الحضاري من خصوبة في التربة ومياه غزيرة ومناخ معتدل.

    إن تاريخ المنطقة يحوي سجلاً حافلاً لمدنيات قامت على أنقاض مدنيات أخرى ، وفيما يلي نستعرض بعض الممالك والحضارات التي قامت فوق تراب منطقة الجزيرة السورية.

     وقد نشأت في ارض الجزيرة عبر العصور حضارات دلت عليها الآثار العديدة المكتشفة .وما التلال المنتشرة في أرجائها ألاً  بقايا مواقع لتجمعات بشرية قديمة وفوق سهولها تصارعت جحافل  الآشوريين والميتانيين والحثيين ثم ا صبحت بعد ذلك المترك الذي وقف فيه الشرق والغرب قروناً طويلة وجها لوجه أيام الفرس والرومان .وكان موقعها المتوسط ملتقى الأقوام المنحدرين من الشمال بأولئك الصاعدين من الجنوب  أو القادمين من الشرق ومن الغرب فاجتمعت فيها الوجوه والأزياء واللهجات والمذهب والعادات ..وتناوبتها الأيام بخير ها وشرها وتداولنها أيدي الفاتحين.فكانت بين رخاء وشدة .وقد شهدت ازدهار ونماء .حتى أصبحت بعض مواقعها في الزراعة وكثرت خيرها ..مثلها جاء فيوصف الجغرافيين العرب لها وجاءتها بعد ذالك غزوات المغول فقتلت وخربت ..تلاها الاحتلال الا قطاعي العثماني.أصبحت براري قفراء لأكثر من ستة قرون من الزمن ثم عادت أليها الحياة فالقفزة سريعة أدهشت من رآها آو سمع بها حتى أصبح لنهضتها الأخيرة شان كبير في حياة القطر السوري .فهي تشكل اليوم الركيزة الهامة في الاقتصاد الوطني لما تنتجه من محاصيل زراعية استراتيجية .ولما تحتويه من ثروة حيوانية إضافة لإنتاجها الهام من النفط والغاز .

ثانياً - المكتشفات والمناطق الأثرية في الجزيرة :

مكتشفات أثرية للبعثات الدولية العاملة في منطقة الجزيرة السورية


اسفرت تنقيبات البعثة الاثرية السورية ـ البلجيكية ـ البريطانية المشتركة في موقع تل شاغر بازار في الشمال الشرقي السوري. عن التعرف على الطبقات الحضارية للتل. المؤرخة بين الالف الخامس ق.م والالف الثاني ق.م. حيث امكن الكشف عن اجزاء لمبنى حكومي بني من اللبن يعود للالف الثاني ق.م. ومجموعة من الابنية السكنية عثر بداخلها على مجموعة من المدافن تفصل بينها شوارع اضافة لقنوات لتصريف المياه.
ويبلغ طول احد الشوارع 35 م وعرضه متر واحد مرصوف بالحجارة والكسر الفخارية وتتوضع على طرفيه مجموعة من الابنية تعود للالف الثاني ق.م واخرى تعود للالف الثالث ق.م. امكن التعرف على سويات حضارية تعود الى الالفين الرابع والخامس ق.م.
من ناحية ثانية عثر على مجموعة من الرقم المسمارية تعود الى الفترة البابلية القديمة (القرن 18 ق.م). وتتحدث عن العلاقات الاقتصادية واسماء الولادات والوفيات في تلك الفترة. وقد ذكر فيها اسم الملك الآشوري شمشي حدد الاول الذي حكم في القرن الثامن عشر ق.م.
وتشير القراءة الاولية للعديد من تلك الرقم الى انها افياش للشرب في حانة ويعود ذلك الى صغر حجمها (3 ـ 5 سم). وعثر ايضا على مجموعة من طبعات الاختام عند مدخل المبنى الحكومي الذي اكتشف جزء منه ويعود للفترة البابلية.
كذلك عثرت البعثة المشتركة على مجموعة من الاواني الفخارية والبرونزية اهمها يعود الى فترة نينوى بأشكالها الثلاثية (المحزز. والمحفور. والملون). وعلى مجموعة من الخرز والدمى الانسانية والحيوانية وادوات بازلتية تعود الى الالفين الثاني والثالث ق.م.


       وفي موقع تل العبر اسفرت التنقيبات الاثرية عن اكتشاف نواة قرية نيوليتية تعود الى العصر الحجري الحديث وهي عبارة عن منشأة ضخمة على شكل بيت دائري قطره 2م وقد حفر في الارض بعمق المترين. وشكلت مصطبة له سندت ببلاطات كلسية اصطفت على شكل انصاف اقواس. وحفرت عليها اشكال حيوانية وهندسية بشكل غائر ونافر. وتداخلت هذه البلاطات المنحوتة بشكل اعمدة حجرية طليت بالطين وكسيت بالكلس بطريقة فنية لم تظهر قبلا في المواقع النيوليتية. كا ظهرت ارضية كلسية زخرفت ببعض الخطوط الغائرة والملساء ووضعت تحتها طبقة طينية قاسية بالحجارة النهرية رصفت تحتها طبقة من الحجارة النهرية. اما حفرة البيت فقد طليت جدرانها بطينة من التراب الذي نقشت عليه رسوم بواسطة اصابع الايدي وخطوط استدارت على محيط الدائرة.

وعثر ايضا على العديد من اللوحات منها لوحة على شكل تمساح نحت بشكل نافر وبدقة عالية واطارات زخرفية متشابكة لتشكل التأطير العام للوحة. واخرى تمثل سلسلة من الجبال يقطعها نهر الفرات. ونقش لغزال بشكل تجريدي. وموقع هذه اللوحة في مركز البيت وبين العمودين الطينيين. ويعتبر وجود هذه اللوحات دليلا على مكانة هذا البيت المرموقة.
وفي الموقع نفسه ضمت المكتشفات واللقى جمجمة ثور وقرونه مدفونة ضمن المصطبة مما يدل على ان هذه المنشأة كانت مكانا لممارسة طقس شعائري ويخص عبادة الثور. الذي كانت صورته تمثل قوة فظة وغريزية وعنيفة انتشرت في الحضارات المدنية حتى العصر البرونزي الشرقي. كما رمز الى الاخصاب وقوة العاصفة والقيمة الحربية.
وعثر ايضا ضمن هذه المنشأة على ادوات صوانية هامة كالبلطات والمثاقب ورؤوس السهام والاواني الكلسية البيضاء التي تعطي صورة واضحة عن حياة هذا الانسان الاقتصادية والاجتماعية. وعلى بيوت دائرية بحجارة منحوتة على شكل طولاني مع حفر نارية وارضيات طينية ومصاطب اكتشف بداخلها قرن ثور ضخم مدفون بشكل مرئي من ساكنيها ربما كان يراد من ذلك تأمين مقاومة هذه البيوت لأي دمار.
وتكمن اهمية هذه اللوحات والرسوم التي ظهرت في موقع تل العبر في انها اشارات لاقتصاد زراعي ظهر في وثائق معمارية وتقنية طقسية. تعبر عن افكار الانسان النيوليتي الذي عاش في مواقع كثيرة في الشمال السوري على الفرات.
 

      على صعيد آخر اكتشفت البعثة الاثرية الاميركية العاملة في تل موزان على آثار لمدينة اوركيش القديمة. عاصمة الحوريين. والتي بلغت ذروة ازدهارها في الالف الثالث قبل الميلاد. وامكن العثور ايضا على جزء من قصر يعود الى الربع الرابع من الالف الثالث قبل الميلاد وكتل معمارية تعود الى بدايات الالف الثاني قبل الميلاد.
ويتمتع تل موزان بأهمية كبيرة كبوابة رئيسية لتجارة المعادن في التاريخ السوري القديم. وذلك من خلال الكميات الهائلة من طبعات الاختام التي نقشت عليها صور الملك اوريش والملكة اكنيتوم وادوات البرونز المكتشفة.
 

       وعثرت البعثة الاميركية ايضا في تل تينينر على ضفاف نهر الخابور على جدران حجرية مطلية بالجص. وعلى لقى اثرية على شكل سهام واقواس منحنية وعملات نحاسية. ونقود رومانية تعود كلها الى العصر الايوبي.
 

       اما عن التنقيبات الاثرية للبعثة الايطالية العاملة في موقع تل بري فانها اسفرت عن العثور على مكتشفات هامة منها طبعات اثرية تعود الى فترات متعددة تمتد من الالف الثالث قبل الميلاد حتى الفترة الرومانية. اضافة الى جرار فخارية تعود الى العصر البارتي وقلادة من الصدف وحجارة بازلتية لاستخدامات الطحن وختم اسطواني وبلاطات مصنوعة من الحجر المرمر تعود الى العصر الآشوري الحديث. وعلى خواتم برونزية ورقم مسمارية تعود الى العصر الآشوري الوسيط والحديث واجزاء من دواليب واوان فخارية تعود الى العصر الاكادي.

 

تمكنت  البعثة الاثرية الايطالية برئاسة د. باولو ايميليو بيكوريلا، من التوصل الى العديد من المكتشفات الهامة في موقع تل بري في محافظة الحسكة، خلال الموسم التنقيبي الحالي.. حيث تم الكشف عن سويات حضارية، احتوت على اجزاء من ابنية مبنية من اللبن والحجارة واللبن المشوي، وعلى ارضيات مرصوفة واقنية لتصريف المياه وقبور وتنانير تعود الى النصف الثاني من الالف الثالث ق.م والى الفترة الساسانية. ‏

كما تمكنت البعثة من العثور على عدة لقى اثرية مكونة من دمى حيوانية ودواليب لعربة مصنوعة من الطين تعود الى عصر السلالات الباكرة الثالثة، وعظمة عليها زخرفة وجزء من ختم وخرز متنوع ودبوس من البرونز تعود الى العصر الاكادي.. ‏

ومن اللقى ايضا كتلة مسطحة سميكة من حجر البازلت نقشت على سطحها كتابة مسمارية من العصر الاشوري الحديث.. وعثرت البعثة على لقى اخرى من الفترتين البارثية والبيزنطية، عبارة عن تمثال لرجل عار منحوت من الحجر الابيض الرخامي ، واسرجة فخارية. الى جانب مجموعة من الاواني الفخارية ودمى حيوانية ومسامير ورحى ومدقات بازلتية وخرز متنوع. ‏

وتضاف هذه المكتشفات الى المكتشفات السابقة في هذا الموقع ولاسيما القصر العائد للعصر الاشوري الحديث، والابنية الاخرى العائدة لعصور مختلفة كالبارثي والروماني والاكادي، والمحتوية على ارضيات وحوض مبطن بمونة كلسية وجرن كبير من الفخار وتنانير و قبور وارضيات خصصت لنشاطات صناعية. ‏

ومن ابرز مكتشفات الموسم التنقيبي السابق جرار فخارية وادوات منزلية وبلاطات حجرية « مرمر» وزخرفة كلسية « فريسك» وقلادة من الصدف وختم اسطواني وزبدية من البرونز تعود الى العصر الاشوري الحديث.. وجرن بازلتي عليه كتابة مسمارية ورقم مسماري صغير، وجزأين لرقمين مسماريين تعود الى العصر الاشوري الوسيط، وجرار واجزاء من دمى ودواليب تعود الى العصر الاكادي. ‏

ومن الجدير بالذكر ان البعثة بدأت عملها في موقع تل بري منذ عام 1980.. وهو يقع على بعد 55 كم شمال شرق مدينة الحسكة ـ 750 كم عن العاصمة دمشق ـ على الطريق الواصل بين مدينتي الحسكة والقامشلي.. ‏

 

       ودلت مكتشفات البعثات التي عملت في منطقة الجزيرة بشمال شرق سورية على اهمية الحضارات العربية القديمة المتعاقبة واهمية المنطقة كمهد لهذه الحضارات وكمركز اقتصادي وثقافي وتجاري مهم.
 

أهم المناطق الأثرية مع صور مبسطة عنها:


غوزانا

تقع الآن تحت تل حلاف , وقد كشفت التنقيبات عن عدة حضارات متعاقبة ومنحوتات بازليتية جميلة تزيَّن جدران المعبد و القصر . كما أن هذا التل مشهور بأوانيه الفخارية .
اكتشفت ( فون أو بنهيم ) هذا المكان خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 1899 و 1940بعض أثارات هذه المدينة موجودة في متحف حلب ومتحف تل حلاف ومتحف برلين في ألمانيا , أما الآن فلا يحتوي المكان على أية أثارات .


نابادة

تقع تحت تل البيدر حيث أظهرت التنقيبات ولا تزال عن عدة حضارات يعود تاريخ أحدثها إلى العصور الآشورية والأكادية , ويمكن رؤية بعض الأسوار القديمة هناك الآن .


ناجار

تقع الآن تحت تل براك ، وتسمى أيضاً ( نافار ) ، وقد أظهرت التنقيبات عن ست حضارات متعاقبة ، ومن أهم آثارها معبد العيون وقصر الملك نارامسين بالإضافة إلى الآواني الفخارية والتماثيل والطوابع الأسطوانية ، ولا تزال التنقيبات تكشف عن أسوار تحت التل


عربان

تقع الآن تحت تل عجاجة , وقد وجدت تحت هذا التل مدينة أشورية تسمى ( شاديكاني ) ، والتي كانت مركزاً هاماً في المنطقة الحدودية بين الفرس والرومان .
كانت هذه المدينة القديمة المتوضعة تحت هذا التل الأهم في حوض نهر الخابور خلال العصر العباسي , إلا أنها لا تحتوي الآن على أية آثارات .


قاحات

وتقع الآن تحت تل برّي , اكتشفت في هذه المدينة مخطوطان حجريان هامان يحددان موقع قاحات التي كانت المحطة الأخيرة لغزو الملك الآشوري توكولتي نينورتا لمنطقة الجزيرة عام 885 ق.م .
جميع آثار المدينة موجودة الآن في المتاحف باستثناء بعض الأسوار التي يمكن رؤيتها الآن في قاحات .


الجسر الروماني

ويقع على نهر دجلة بارتفاع حوالي 15 متر عن النهر .


شبات إنيل

تقع تحت تل ليلان , واسم المدينة القديم ( شخنة ) كشفت التنقيبات التي بدأت عام 1975 م عن البازار والمعبد والقصر والألواح الفخارية والطوابع الأسطوانية الشكل والأواني الفخارية وغيرها وجميعها الآن موجودة في المتاحف .
كل هذا جعل تل ليلان من أشهر التلال الأثرية , بيد أن هذا التل لا يحوي الآن إلا بعض الجدران .


شاغار بازار

تقع الآن تحت تل حطين ، وقد كشفت التنقيبات التي بدأت عام 1934 م عن خمس عشرة حضارة ، ومن أهم آثار تللك الحضارات الألواح الفخارية التي تكشف عن تاريخ الشرق العريق ، ولا يزال بعض آثارها موجوداً فوق ذلك التل . ويعد تل شاغرا بازار، من المواقع الاثرية الهامة في الجزيرة السورية . وسبق ان زارته الكاتبة البريطانية الشهيرة اجاثا كريستي مع زوجها عالم الاثار البروفيسور ماكس مالاوان، حيث تحدثت عن هذا التل مطولا في كتابها « هكذا اعيش».


قلعة سكرة

تقع فوق جبل عبد العزيز , وقد رممت أثناء الفترة المملوكية .


رأس العين

 وهي عبارة عن مدينة عائمة فوق بركة من ينابيع المياه وخاصة المدنية , كما تعتبر المدينة موطن بعض الكتاب والفلاسفة المشهورين عبر تاريخ الحضارة .


أركيش

تقع الآن تحت تل موزان . تضم المدينة إحدى أهم المدن القديمة الممتدة على طول الضفة الشمالية لحوض الخابور خلال الألف الثاني ق. م .
وقد أظهرت التنقيبات عن سور المدينة ومعبد حجري وطوابع بالإضافة إلى آثارات هامة أخرى والموجودة الآن في المتاحف .