مقدمة

سوريا .. مهد حضارات الجنس البشري .. أرض أقدم المدنيّات التي وجدت على كوكب الأرض . يقال .. أنك إن أردت القيام بجولةٍ عبر التاريخ فعليك بزيارة العدد الهائل من المواقع الأثرية التي لا تزال تقف بشموخ على امتداد الأراضي السورية منذ آلاف السنين . فكل شخص يقدّر عظمة التاريخ سيحظى بتجربةٍ مثيرة عندما يقوم بزيارة سوريا

 

أولاً - تاريخ الجزيرة عبر العصور :

    ليس سهلاً الإحاطة تماماً بتاريخ منطقة الجزيرة دون تناول تاريخ ما يسمى " بيلاد ما بين النهرين " ، وذلك لارتباط منطقة الجزيرة بهذه البلاد ارتباطاً عضوياً وجغرافياً وثيقاً ، ولأن الاكتشافات الأثرية فيها حتى الآن ليست كافية ، فهي لم تقدم بعد المعلومات اللازمة لقراءة التاريخ قراءة واضحة ، لكن المخلفات المادية قد تمكن الباحث من إلقاء بعض الضوء على المراحل التاريخية الهامة التي مرت بها الجزيرة السورية وهذا ما يمكننا من القول أن تاريخ المنطقة لا يعود إلى أقدم من الألف الثالث قبل الميلاد.

    فلم يُعرف حتى الآن متى بدأ الإنسان بالتواجد في هذه البقعة من الأرض ، باستثناء ما أوحت إليه الطبقات السفلة من حفريات تل حلف قرب رأس العين ، والتي قام بها المستشرق الألماني " أوبنهايم " الذي قام بعدة محاولات تنقيبية في ذلك التل ، حيث أوضحت له المكتشفات الأثرية في الطبقات السفلى أن الإنسان بدأ الاستقرار في هذه المنطقة منذ الألف الخامس قبل الميلاد حيث تمكن سكان هذه المنطقة منذ ذلك الوقت من تحقيق شيء من التقدم في إبراز بعض الملامح الحضارية ، وتحقيق التقدم على معاصريه من بني جنسه في مناطق أخرى من العالم.

    أما الدكتور " أنطوان مورتكات " الباحث الألماني الذي قام بحفريات فخيرية في عام 1955م وتل أيلون في عام 1956م فيقول : " إن وجود العظام والأسلحة وأدوات الصيد في أقدم طبقات تل حلف على نهر الخابور تشير إلى أن هذه الطبقات كانت عبارة عن قرى صغيرة سكنتها أمم كانت تمر بمرحلة الانتقال والتحول من حياة الصيد إلى حياة الاستقرار والاعتناء بالزراعة".

    وهذا أمر ملفت للنظر من حيث أهمية موقع منطقة الجزيرة بالنسبة إلى العالم ، فهي كانت صلة الوصل بين قارات العالم القديم ، ومنطقة هامة تتوفر فيها كل مقومات الحياة والبناء الحضاري من خصوبة في التربة ومياه غزيرة ومناخ معتدل.

    إن تاريخ المنطقة يحوي سجلاً حافلاً لمدنيات قامت على أنقاض مدنيات أخرى ، وفيما يلي نستعرض بعض الممالك والحضارات التي قامت فوق تراب منطقة الجزيرة السورية.

     وقد نشأت في ارض الجزيرة عبر العصور حضارات دلت عليها الآثار العديدة المكتشفة .وما التلال المنتشرة في أرجائها ألاً  بقايا مواقع لتجمعات بشرية قديمة وفوق سهولها تصارعت جحافل  الآشوريين والميتانيين والحثيين ثم ا صبحت بعد ذلك المترك الذي وقف فيه الشرق والغرب قروناً طويلة وجها لوجه أيام الفرس والرومان .وكان موقعها المتوسط ملتقى الأقوام المنحدرين من الشمال بأولئك الصاعدين من الجنوب  أو القادمين من الشرق ومن الغرب فاجتمعت فيها الوجوه والأزياء واللهجات والمذهب والعادات ..وتناوبتها الأيام بخير ها وشرها وتداولنها أيدي الفاتحين.فكانت بين رخاء وشدة .وقد شهدت ازدهار ونماء .حتى أصبحت بعض مواقعها في الزراعة وكثرت خيرها ..مثلها جاء فيوصف الجغرافيين العرب لها وجاءتها بعد ذالك غزوات المغول فقتلت وخربت ..تلاها الاحتلال الا قطاعي العثماني.أصبحت براري قفراء لأكثر من ستة قرون من الزمن ثم عادت أليها الحياة فالقفزة سريعة أدهشت من رآها آو سمع بها حتى أصبح لنهضتها الأخيرة شان كبير في حياة القطر السوري .فهي تشكل اليوم الركيزة الهامة في الاقتصاد الوطني لما تنتجه من محاصيل زراعية استراتيجية .ولما تحتويه من ثروة حيوانية إضافة لإنتاجها الهام من النفط والغاز .

ثانياً - المكتشفات والمناطق الأثرية في الجزيرة :

 

مكتشفات أثرية للبعثات الدولية العاملة في منطقة الجزيرة السورية

تل شاغربازار

اسفرت تنقيبات البعثة الاثرية السورية ـ البلجيكية ـ البريطانية المشتركة في موقع تل شاغر بازار في الشمال الشرقي السوري. عن التعرف على الطبقات الحضارية للتل. المؤرخة بين الالف الخامس ق.م والالف الثاني ق.م. حيث امكن الكشف عن اجزاء لمبنى حكومي بني من اللبن يعود للالف الثاني ق.م. ومجموعة من الابنية السكنية عثر بداخلها على مجموعة من المدافن تفصل بينها شوارع اضافة لقنوات لتصريف المياه.
ويبلغ طول احد الشوارع 35 م وعرضه متر واحد مرصوف بالحجارة والكسر الفخارية وتتوضع على طرفيه مجموعة من الابنية تعود للالف الثاني ق.م واخرى تعود للالف الثالث ق.م. امكن التعرف على سويات حضارية تعود الى الالفين الرابع والخامس ق.م.
من ناحية ثانية عثر على مجموعة من الرقم المسمارية تعود الى الفترة البابلية القديمة (القرن 18 ق.م). وتتحدث عن العلاقات الاقتصادية واسماء الولادات والوفيات في تلك الفترة. وقد ذكر فيها اسم الملك الآشوري شمشي حدد الاول الذي حكم في القرن الثامن عشر ق.م.
وتشير القراءة الاولية للعديد من تلك الرقم الى انها افياش للشرب في حانة ويعود ذلك الى صغر حجمها (3 ـ 5 سم). وعثر ايضا على مجموعة من طبعات الاختام عند مدخل المبنى الحكومي الذي اكتشف جزء منه ويعود للفترة البابلية.
كذلك عثرت البعثة المشتركة على مجموعة من الاواني الفخارية والبرونزية اهمها يعود الى فترة نينوى بأشكالها الثلاثية (المحزز. والمحفور. والملون). وعلى مجموعة من الخرز والدمى الانسانية والحيوانية وادوات بازلتية تعود الى الالفين الثاني والثالث ق.م.


  تل العبر

 اسفرت التنقيبات الاثرية عن اكتشاف نواة قرية نيوليتية تعود الى العصر الحجري الحديث وهي عبارة عن منشأة ضخمة على شكل بيت دائري قطره 2م وقد حفر في الارض بعمق المترين. وشكلت مصطبة له سندت ببلاطات كلسية اصطفت على شكل انصاف اقواس. وحفرت عليها اشكال حيوانية وهندسية بشكل غائر ونافر. وتداخلت هذه البلاطات المنحوتة بشكل اعمدة حجرية طليت بالطين وكسيت بالكلس بطريقة فنية لم تظهر قبلا في المواقع النيوليتية. كا ظهرت ارضية كلسية زخرفت ببعض الخطوط الغائرة والملساء ووضعت تحتها طبقة طينية قاسية بالحجارة النهرية رصفت تحتها طبقة من الحجارة النهرية. اما حفرة البيت فقد طليت جدرانها بطينة من التراب الذي نقشت عليه رسوم بواسطة اصابع الايدي وخطوط استدارت على محيط الدائرة.

وعثر ايضا على العديد من اللوحات منها لوحة على شكل تمساح نحت بشكل نافر وبدقة عالية واطارات زخرفية متشابكة لتشكل التأطير العام للوحة. واخرى تمثل سلسلة من الجبال يقطعها نهر الفرات. ونقش لغزال بشكل تجريدي. وموقع هذه اللوحة في مركز البيت وبين العمودين الطينيين. ويعتبر وجود هذه اللوحات دليلا على مكانة هذا البيت المرموقة.
وفي الموقع نفسه ضمت المكتشفات واللقى جمجمة ثور وقرونه مدفونة ضمن المصطبة مما يدل على ان هذه المنشأة كانت مكانا لممارسة طقس شعائري ويخص عبادة الثور. الذي كانت صورته تمثل قوة فظة وغريزية وعنيفة انتشرت في الحضارات المدنية حتى العصر البرونزي الشرقي. كما رمز الى الاخصاب وقوة العاصفة والقيمة الحربية.


وعثر ايضا ضمن هذه المنشأة على ادوات صوانية هامة كالبلطات والمثاقب ورؤوس السهام والاواني الكلسية البيضاء التي تعطي صورة واضحة عن حياة هذا الانسان الاقتصادية والاجتماعية. وعلى بيوت دائرية بحجارة منحوتة على شكل طولاني مع حفر نارية وارضيات طينية ومصاطب اكتشف بداخلها قرن ثور ضخم مدفون بشكل مرئي من ساكنيها ربما كان يراد من ذلك تأمين مقاومة هذه البيوت لأي دمار.
وتكمن اهمية هذه اللوحات والرسوم التي ظهرت في موقع تل العبر في انها اشارات لاقتصاد زراعي ظهر في وثائق معمارية وتقنية طقسية. تعبر عن افكار الانسان النيوليتي الذي عاش في مواقع كثيرة في الشمال السوري على الفرات.
 

تل موزان

      اكتشفت البعثة الاثرية الاميركية العاملة في تل موزان على آثار لمدينة اوركيش القديمة. عاصمة الحوريين. والتي بلغت ذروة ازدهارها في الالف الثالث قبل الميلاد. وامكن العثور ايضا على جزء من قصر يعود الى الربع الرابع من الالف الثالث قبل الميلاد وكتل معمارية تعود الى بدايات الالف الثاني قبل الميلاد.
ويتمتع تل موزان بأهمية كبيرة كبوابة رئيسية لتجارة المعادن في التاريخ السوري القديم. وذلك من خلال الكميات الهائلة من طبعات الاختام التي نقشت عليها صور الملك اوريش والملكة اكنيتوم وادوات البرونز المكتشفة.

 

تل عربيد

    وفى تل عربيد اكتشفت البعثة السورية البولونية المشتركة مدفنا ملكيا يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد وعثرت بداخله على هيكل عظمى لامرأة يرجح ان تكون أميرة إذ وجد بجانب الهيكل اكثر من 360 قطعة أثرية ذهبية وثلاثة عقود ومختلف الأحجار الكريمة وختميلان اسطوانيين مغلفين بالذهب

تل تينينر

       وعثرت البعثة الاميركية ايضا في تل تينينر على ضفاف نهر الخابور على جدران حجرية مطلية بالجص. وعلى لقى اثرية على شكل سهام واقواس منحنية وعملات نحاسية. ونقود رومانية تعود كلها الى العصر الايوبي.
 

تل بري

       اما عن التنقيبات الاثرية للبعثة الايطالية العاملة في موقع تل بري فانها اسفرت عن العثور على مكتشفات هامة منها طبعات اثرية تعود الى فترات متعددة تمتد من الالف الثالث قبل الميلاد حتى الفترة الرومانية. اضافة الى جرار فخارية تعود الى العصر البارتي وقلادة من الصدف وحجارة بازلتية لاستخدامات الطحن وختم اسطواني وبلاطات مصنوعة من الحجر المرمر تعود الى العصر الآشوري الحديث. وعلى خواتم برونزية ورقم مسمارية تعود الى العصر الآشوري الوسيط والحديث واجزاء من دواليب واوان فخارية تعود الى العصر الاكادي.
 

       ودلت مكتشفات البعثات التي عملت في منطقة الجزيرة بشمال شرق سورية على اهمية الحضارات العربية القديمة المتعاقبة واهمية المنطقة كمهد لهذه الحضارات وكمركز اقتصادي وثقافي وتجاري مهم.

 

تمكنت البعثة الاثرية الايطالية برئاسة د. باولو ايميليو بيكوريلا، من التوصل الى العديد من المكتشفات الهامة في موقع تل بري في محافظة الحسكة، خلال الموسم التنقيبي الحالي.. حيث تم الكشف عن سويات حضارية، احتوت على اجزاء من ابنية مبنية من اللبن والحجارة واللبن المشوي، وعلى ارضيات مرصوفة واقنية لتصريف المياه وقبور وتنانير تعود الى النصف الثاني من الالف الثالث ق.م والى الفترة الساسانية. ‏

كما تمكنت البعثة من العثور على عدة لقى اثرية مكونة من دمى حيوانية ودواليب لعربة مصنوعة من الطين تعود الى عصر السلالات الباكرة الثالثة، وعظمة عليها زخرفة وجزء من ختم وخرز متنوع ودبوس من البرونز تعود الى العصر الاكادي.. ‏

ومن اللقى ايضا كتلة مسطحة سميكة من حجر البازلت نقشت على سطحها كتابة مسمارية من العصر الاشوري الحديث.. وعثرت البعثة على لقى اخرى من الفترتين البارثية والبيزنطية، عبارة عن تمثال لرجل عار منحوت من الحجر الابيض الرخامي ، واسرجة فخارية. الى جانب مجموعة من الاواني الفخارية ودمى حيوانية ومسامير ورحى ومدقات بازلتية وخرز متنوع. ‏

وتضاف هذه المكتشفات الى المكتشفات السابقة في هذا الموقع ولاسيما القصر العائد للعصر الاشوري الحديث، والابنية الاخرى العائدة لعصور مختلفة كالبارثي والروماني والاكادي، والمحتوية على ارضيات وحوض مبطن بمونة كلسية وجرن كبير من الفخار وتنانير و قبور وارضيات خصصت لنشاطات صناعية. ‏

ومن ابرز مكتشفات الموسم التنقيبي السابق جرار فخارية وادوات منزلية وبلاطات حجرية « مرمر» وزخرفة كلسية « فريسك» وقلادة من الصدف وختم اسطواني وزبدية من البرونز تعود الى العصر الاشوري الحديث.. وجرن بازلتي عليه كتابة مسمارية ورقم مسماري صغير، وجزأين لرقمين مسماريين تعود الى العصر الاشوري الوسيط، وجرار واجزاء من دمى ودواليب تعود الى العصر الاكادي. ‏

ومن الجدير بالذكر ان البعثة بدأت عملها في موقع تل بري منذ عام 1980.. وهو يقع على بعد 55 كم شمال شرق مدينة الحسكة ـ 750 كم عن العاصمة دمشق ـ على الطريق الواصل بين مدينتي الحسكة والقامشلي.. ‏

 

تل براك

    يقع غربي نهر "جغجغ" أحد روافد نهر الخابور وعلى بعد 42 كم من مدينة الحسكة. و على هذا التل كان مقر "نارام سين" وكان قوي التحصين منيعاً. ولقد شهد هذا التل أحداثاً عسكرية هامة، امتدت خلال حقبة طويلة من الزمن أي من الألف السادس إلى الألف الثاني ق.م، وفي هذا التل عُثر على بناء مدرج ومعبد وفيه عُثر على محتويات هامة، ففي المعبد عُثر على تماثيل حيوانات وأقنعة بشرية وعيون أصنام حتى سمي بمعبد العيون ، وتعود الى الحقبة 3500 - 3300 ق.م.

   وفي معبد "تل براك" هذا عُثر على مئات من التماثيل وآلاف من الكسر الحجرية والرخامية تمثل أشخاصاً لم يعرض منها إلا الكتفان والرقبة والعينان البارزتان جداً، مما يدل على استخدام سحر الإصابة بالعين، فهي إذن تمائم لتحمي من الشر والعدو. ولعلها تعاويذ قدمها السكان إلى المعبد تعبيراً عن تفانيهم لصد العدوان المحتمل الذي يهدد المدينة. وثمة تمائم عُثر عليها في المعبد في شرفة العيون، تمثل حيوانات كالضفدع والقنفد والدب والأسد.

 

تل البيعة - توتول

تقع مدينة "توتول" عند ملتقى نهر الفرات برافده نهر البليخ وتسمى اليوم تل البيعة، ورد ذكر مدينة "توتول" في أخبار "صارغون" الذي استمد سلطته من إله "توتول" "داغان" الذي منحه البلاد العليا سورية والأناضول12
من "توتول" انطلقت فتوحات "صارغون"، ذلك لما تتمتع به هذه المدينة من ميزات تعبوية، فهي غنية بالغذاء لزراعتها المتطورة. ولقد ذكر أن أفراد جيش "صارغون" المؤلف من /4800 شخص/ كانوا يأكلون يومياً بحضرته. وبفضل الإله "دجن" حامي "صارغون". تحققت له سطوة لا منافس لها في كل البلاد.
وفي إحدى كتابات رقم ماري إشارة إلى اسم ملك "توتول" ياخلو كوليم. ولم تكن "توتول" مستقرة كي تستطيع صد أطماع مملكة "يمحاض" حلب ومملكة ماري والسيطرة عليهما.
وعندما حاول ملك "توتول" التحالف مع شيخ البدو لاعوم ومعه العشائر يدعمهم ملك "يمحاض" قام ملك ماري بمقاومة هذا التحالف في مدينة "حماتوم" تل الحمام وهدم أسوار "توتول"، وأصبح يلقب باسم ملك ماري و"بلاد هانار".

 

تل حموكار

أقدم مدينة في التاريخ... عمرها 7 آلاف سنة

في الموقع على الحدود السورية ـ العراقية... أول نظام للتكييف الهوائي في التاريخ

  على الحدود الفاصلة بين سورية والعراق بالقرب من جبل سنجار، اكتشفت البعثة السورية ـ الأميركية المشتركة للتنقيب عن الآثار مدينة أثرية مهمة يعود تاريخها الى الألف الخامسة قبل الميلاد، ويمكن أن تعتبر أقدم مدينة في العالم، اذ يقدر عمرها الأن أكثر من سبعة آلاف سنة، وهي بذلك أقدم من أي مدينة أثرية أخرى مكتشفة حتى الآن في العالم بما لا يقل عن 2500 سنة.

جرى هذا الاكتشاف المهم حتى الآن في العالم أخيراً في موقع تل حموكار الأثري على مساحة مائتي هكتار من الأرض على شكل مربع وسط السهول المحصورة بين جبل سنجار في الجنوب وسلسلتي جبال طوروس وزغروس في الشمال والشمال الشرقي، ويبعد الموقع عن نهر دجلة باتجاه الجنوب الغربي مسافة خمسين كيلو متراً، بينما يبعد عن نهر جغجغ (الذي يخترق مدينة القامشلي) بحوالي ستين كيلو متراً.

محمد مكطش أمين متحف الرقة، بشمال شرقي سورية قال: ان أراضي تل حموكار من أخصب الأراضي الزراعية، وكانت تروى من عدة أنهار تأتي من الشمال الى الجنوب وأخرى من جبل سنجار باتجاه الشمال وتلتقي جميعها لتشكل بحيرة كانت تخضع مياهها لعملية تنظيم معينة لري السهول الزراعية الواسعة والخصبة، وفسر مكطش معنى كلمة «حموكار» فقال إن اسم «كار» يعني الصفة والعمل وفي اللغة السومرية القديمة، يعني مكان العمل الذي ينظم شؤون العاملين.

ونعود الى موقع آثار المدينة المكتشفة، التي يعتقد انها كانت موطناً لحوالي خمسة وعشرين ألف نسمة، وقد عثر فيها على لقى أثرية مهمة مما يعطيها ميزة في تطور الفن التشكيلي والنحت والزخرفة، كما يقول مدير متحف الرقة ورئيس الجانب السوري في بعثة التنقيب السورية ـ الاميركية.
كذلك عثر على لقى تعطيها الأولوية بالنسبة الى المدن الأخرى التي تعود الى تلك الفترة. فقد اكتشف فيها أقدم نظام للتكييف الهوائي في التاريخ ويتمثل في وجود مقرات في جدران ثنائية متوازية تفصل بينهما مسافة من الفراغ لا تتجاوز خمسة عشر سنتيمترا تسمح بتدفق الهواء المكيف النقي لمقاومة حر الصيف.. وأكد مكطش ان السكن استمر في هذه المدينة الأثرية منذ الألف الخامس قبل الميلاد وحتى العصر الاسلامي المبكر، أدركت البعثة أهمية هذا الموقع من خلال المسح الطوبوغرافي واللقى السطحية التي أمكن العثور عليها.


   من ناحية ثانية يرى الباحث الأثري السوري الدكتور عمر العظم مدير المعمل الفني في مديرية الآثار والمتاحف في سورية (وهو خبير حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة لندن في الأثنوغرافيا والمسؤول عن الجانب السوري في بعثة «حموكار») انه قد هاجرت في منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد تقريباً مجموعات بشرية من جنوب بلاد الرافدين الى سورية واسسوا فيها مستعمرات سكنية، وأدى هذا الاحتكاك بسكان المنطقة الأصليين أي السوريين الى تطور في نظام العمران، وتطور في مبدأ حكم الملكية ونظام الدولة «ولكن التنقيبات الأثرية في «حموكار» وفي بعض المواقع الأخرى في سورية أظهرت تطور نظام اجتماعي محلي قبل الاحتكاك بجماعات بلاد الرافدين التي هاجرت الى سورية واستوطنت فيها وجلبت معها الحضارة... ومن المكتشفات الأثرية في منطقة «حموكار» تبين أن فكرة نشوء الحضارة وتطورها بدأت في سورية وفي «حموكار» بالتحديد، ثم انتقلت جنوباً الى بلاد الرافدين».
 

أولاً: المكتشفات الأثرية في حموكار: كشف في موقع تل حموكار عن ابنية من اللبن مليئة بالفخار والرماد تعود الى منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد أي العصر الحجري ـ النحاسي ووجدت أيضاً أربعة أو خمسة أفران كانت مقببة يبلغ قطر بعضها مترين تقريباً، كانت تستخدم للطهو والخبز وطبخ اللحوم، وذلك لوجود كمية كبيرة من العظام الحيوانية، بالاضافة الى المواد النباتية المفحمة كالحبوب وغيرها. ويتولى الدكتور العظم دراسة هذه العينات وتحليلها في مخابر المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية.
كذلك اكتشفت كسر فخارية يستنتج ان معظمها يعود الى آوان كبيرة الحجم كانت تستخدم في الطهو وتحضير الطعام، ويدل حجم هذه الأواني على انها كانت تستعمل لتحضير طعام جماعي أو لخدمة تتجاوز أفراد الأسرة، وهذا يدل على وجود إدارة حكومية من شكل ما.. كذلك اكتشف وجود امتداد للبناء خارج السور وهذا يثبت ان التطور العمراني انطلق من هذه المنطقة ولم يأت اليها من الخارج.
 

ثانياً: حجم الموقع والفترات التي مر فيها: أيضاً ثبت من خلال المسح السطحي ان مساحة موقع «حموكار» كانت تبلغ ثلاثة عشر هكتاراً تقريباً، لكن في حدود الألف الثالث، امتدت حتى بلغت 102 هكتار ومن نوعية الفخار الذي اكتشف في الموقع تبين انه يعود الى «فترة اوروك» فهو يشبه طاسات وأشكالاً معروفة في جنوب العراق، وهذا يؤكد وجود علاقات مع جنوب بلاد الرافدين. وبعد هذه الفترة هُجر الموقع، واستخدم على شكل قرى صغيرة حتى الفترة الآشورية الجديدة، ثم الفترة السلوقية 200 قبل الميلاد، لكن آخر فترة سكن فيها موقع حموكار كان حوالي 700 بعد الميلاد أي في المرحلة الإسلامية ـ الأموية .
 

ثالثاً: عمليات التنقيب: أجريت عمليات التنقيب في ثلاث نقاط «أ» A و«ب» B و«سجي» C وكان الهدف من السبر تكوين فكرة عامة عن المراحل كافة، التي مر فيها التل ولمحة عن تاريخه، وجرى استخدام السبر الأفقي لا العمودي نظراً لخصوصية هذا التل.. فمن مساوئ السير العمودي انه كان كلما زاد العمق زادت صعوبة عملية التنقيب وزادت صعوبة الحركة للباحث والمنقب الأثري أما السبر الأفقي فيعطي حرية حركة لمتابعة البحث الأثري وهذه الطريقة هي الأفضل لتل حموكار لانه عالٍ فارتفاعه 18 متراً، ويصعب النزول فيه للتنقيب والسبر الأفقي لذلك حفر بشكل متدرج بين كل درجة وأخرى ارتفاع أربعة أو خمسة أمتار.
وقد وجد في المنطقة «أ» في الدرج الأعلى بعض المنازل التي تتكون جدرانها من اللبن، جوارها جدار ضخم عرضه لا يقل عن أربعة أمتار وارتفاعه أربعة أمتار أيضاً، ويعتقد انه كان سوراً لمدينة، وقد أكدت تنقيبات هذا العام ذلك.
أما الفخار الذي وجد مع الجدار فيعود الى العصر الحجري النحاسي أي منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد، وكذلك اكتشف فخار في مستوى أعلى من الجدار يعود الى «فترة أوروك» (3200 قبل الميلاد) ومنازل تتألف من عدة طبقات تحتوي على العديد من المباني، ورصيف مرصوف باللبن المستوى.
وأما الطبقة الأخيرة منه فهي مغطاة بالجبص، وكلها تعود الى الألف الثالثة قبل الميلاد، وفوقها وجد بناء يعود الى الفترة الاسلامية ـ الأموية أي 700 بعد الميلاد.


وفي ما يخص المنطقة «ب» فقد وجدت فيها جدران أبنية وأفران ضخمة يصل قطر بعضها الى مترين، وتعود هذه المنطقة إلى منتصف الألف الرابعة، كذلك وجد في أرضيات احد هذه المباني قبر لطفل معه تماثيل صغيرة من العظم عرفت «بتماثيل» العيون بسبب وجود عيون كبيرة فيها، اكتشفت نماذج منها في «تل براك»، وتشير هذه التماثيل إلى آلهة أو أشخاص، لكن تفسيرها ما زال غامضاً على علماء الآثار. ومن أهم المكتشفات التي وجدت في هذه المنطقة، التي تعطي فكرة عن طابع المجتمع، وجود أكثر من ثمانين ختماً وخمس عشرة لوحة، وكثير من الخرز اكتشف في قبر الطفل وكان على الأرجح مشكوكاً في قماش ثياب الطفل.


أما مادة الاختام فكانت من العظم منحوتة باشكال حيوانات. وكانت قاعدة الختم محفورة بخطوط أو بصور تشكيلية، وأحد الاختام الكبرى كان على شكل نمر منقط، نقطه مصنوعة من أسافين صغيرة محفورة ومنزله على جسده.. أما الوجه الأسفل فكان يضم صفاً من الحيوانات ذات القرون.
ووجد أيضاً ختم آخر كبير على شكل حيوان ذي قرون وأسفله أيضاً صور من الحيوانات ذوات القرون، أما الاختام الصغرى فهي على أشكال حيوانات مختلفة مثل الأسود والماعز والدببة والوعول والكلاب والأرانب والأسماك والطيور. وقد اكتشفت تعاويذ شبيهة بالتي في «تل براك»، لكن تعاويذ تل حموكار اعتبرت أختاماً لوجود صورة الختم عليها. أما الاختام الكبيرة فكانت للشخصيات المهمة مثل المديرين والمسؤولين والاختام الصغيرة وكانت اعدادها أكبر لأنها أكثر استعمالا باعتبارها تخص عامة الشعب وطبقاته. وهذا يدل على وجود تنظيم إداري دقيق ومدهش في فترة الألف الرابعة قبل الميلاد بسبب قدمها في التاريخ. وهذه الاختام لا تشير الى بيروقراطية، بل تشير الى علاقات تجارية كان يضع التاجر فيها ختمه أي توقيعه على المواد أو السلع أو قطع القماش، وهذه الظاهرة بدأت مع بداية العمران وبداية تأسيس دولة في حموكار.
أخيراً في المنطقة «ج» فقد اكتشفت فيها زاوية لبناء يعود الى الألف الثالثة أي للفترة الأكادية، وقد وجد منه في «تل براك» وتحتوي زاوية البناء على باب يدل نمطه أنه ذو طابع عام وربما معبد. ووجدت فيه أيضاً كسر فخارية تعود الى الفترة الأكادية وهذه القطع الفخارية مشابهة للقطع التي اكتشفت في «تل براكن» وسمح هذا بتأريخ القطع في الفترة الأكادية لتلازمها مع قطع أكادية أخرى.
هذا ودلت أخيراً نتائج الحفريات المبدئية على انه اسست وتطورت في هذه المنطقة ممالك سحيقة في القدم سبقت بروز حضارة «أوروك» وقدومها من جنوب بلاد الرافدين. وكان قبلا يعتقد أن فجر الحضارات الأولى والعمران انما ولدت في جنوب بلاد الرافدين، أي حوالي 3500 قبل الميلاد، ثم انتقلت شمالاً الى المناطق السورية في الشرق.


 

أهم المناطق الأثرية مع صور مبسطة عنها:


غوزانا

تقع الآن تحت تل حلاف , وقد كشفت التنقيبات عن عدة حضارات متعاقبة ومنحوتات بازليتية جميلة تزيَّن جدران المعبد و القصر . كما أن هذا التل مشهور بأوانيه الفخارية .
اكتشفت ( فون أو بنهيم ) هذا المكان خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 1899 و 1940بعض أثارات هذه المدينة موجودة في متحف حلب ومتحف تل حلاف ومتحف برلين في ألمانيا , أما الآن فلا يحتوي المكان على أية أثارات .


نابادة

تقع تحت تل البيدر حيث أظهرت التنقيبات ولا تزال عن عدة حضارات يعود تاريخ أحدثها إلى العصور الآشورية والأكادية , ويمكن رؤية بعض الأسوار القديمة هناك الآن .


ناجار

تقع الآن تحت تل براك ، وتسمى أيضاً ( نافار ) ، وقد أظهرت التنقيبات عن ست حضارات متعاقبة ، ومن أهم آثارها معبد العيون وقصر الملك نارامسين بالإضافة إلى الآواني الفخارية والتماثيل والطوابع الأسطوانية ، ولا تزال التنقيبات تكشف عن أسوار تحت التل


عربان

تقع الآن تحت تل عجاجة , وقد وجدت تحت هذا التل مدينة أشورية تسمى ( شاديكاني ) ، والتي كانت مركزاً هاماً في المنطقة الحدودية بين الفرس والرومان .
كانت هذه المدينة القديمة المتوضعة تحت هذا التل الأهم في حوض نهر الخابور خلال العصر العباسي , إلا أنها لا تحتوي الآن على أية آثارات .


قاحات

وتقع الآن تحت تل برّي , اكتشفت في هذه المدينة مخطوطان حجريان هامان يحددان موقع قاحات التي كانت المحطة الأخيرة لغزو الملك الآشوري توكولتي نينورتا لمنطقة الجزيرة عام 885 ق.م .
جميع آثار المدينة موجودة الآن في المتاحف باستثناء بعض الأسوار التي يمكن رؤيتها الآن في قاحات .


الجسر الروماني

ويقع على نهر دجلة بارتفاع حوالي 15 متر عن النهر .


شبات إنيل

تقع تحت تل ليلان , واسم المدينة القديم ( شخنة ) كشفت التنقيبات التي بدأت عام 1975 م عن البازار والمعبد والقصر والألواح الفخارية والطوابع الأسطوانية الشكل والأواني الفخارية وغيرها وجميعها الآن موجودة في المتاحف .
كل هذا جعل تل ليلان من أشهر التلال الأثرية , بيد أن هذا التل لا يحوي الآن إلا بعض الجدران .


شاغار بازار

تقع الآن تحت تل حطين ، وقد كشفت التنقيبات التي بدأت عام 1934 م عن خمس عشرة حضارة ، ومن أهم آثار تللك الحضارات الألواح الفخارية التي تكشف عن تاريخ الشرق العريق ، ولا يزال بعض آثارها موجوداً فوق ذلك التل . ويعد تل شاغرا بازار، من المواقع الاثرية الهامة في الجزيرة السورية . وسبق ان زارته الكاتبة البريطانية الشهيرة اجاثا كريستي مع زوجها عالم الاثار البروفيسور ماكس مالاوان، حيث تحدثت عن هذا التل مطولا في كتابها « هكذا اعيش».


قلعة سكرة

تقع فوق جبل عبد العزيز , وقد رممت أثناء الفترة المملوكية .


رأس العين

 وهي عبارة عن مدينة عائمة فوق بركة من ينابيع المياه وخاصة المدنية , كما تعتبر المدينة موطن بعض الكتاب والفلاسفة المشهورين عبر تاريخ الحضارة .


أركيش

تقع الآن تحت تل موزان . تضم المدينة إحدى أهم المدن القديمة الممتدة على طول الضفة الشمالية لحوض الخابور خلال الألف الثاني ق. م .
وقد أظهرت التنقيبات عن سور المدينة ومعبد حجري وطوابع بالإضافة إلى آثارات هامة أخرى والموجودة الآن في المتاحف .

 

 


توتول - تل البيعة

تقع مدينة "توتول" عند ملتقى نهر الفرات برافده نهر البليخ وتسمى اليوم تل البيعة، ورد ذكر مدينة "توتول" في أخبار "صارغون" الذي استمد سلطته من إله "توتول" "داغان" الذي منحه البلاد العليا سورية والأناضول12
 


تل براك

 يقع غربي نهر "جغجغ" أحد روافد نهر الخابور وعلى بعد 42 كم من مدينة الحسكة. و على هذا التل كان مقر "نارام سين" وكان قوي التحصين منيعاً. ولقد شهد هذا التل أحداثاً عسكرية هامة، امتدت خلال حقبة طويلة من الزمن أي من الألف السادس إلى الألف الثاني ق.م، وفي هذا التل عُثر على بناء مدرج ومعبد وفيه عُثر على محتويات هامة، ففي المعبد عُثر على تماثيل حيوانات وأقنعة بشرية وعيون أصنام حتى سمي بمعبد العيون ، وتعود الى الحقبة 3500 - 3300 ق.م.